المهاجرين والأنصار .. كأنه مكة .. مكة التي تفتقد إلى وجه ابنها وحبيبها -صلى الله عليه وسلم - .. كأنه تلك الحجارة التي كانت تسلم عليه -صلى الله عليه وسلم - كلما مر بها .. وتبادله حبًا بحب وشوقًا بشوق .. هذا الجذع بكى لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لن يخطب عليه بعد اليوم .. لن يحظى بدفء جسده بعد اليوم ... وسوف يفتقد إلى ذكر الله يفوح عطرًا وهدايةً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم - .. لقد عبر -صلى الله عليه وسلم - عمَّا بأعماق هذه الشجرة عندما قال:(بكت على ما كانت تسمع من الذكر عندها)(١) إنها تغبط:
[امرأة من الأنصار وغلامها تبرعا بالمنبر]
فالأنصارية هي التي تطوعت وغلامها لبناء المنبر .. يحدثنا عن ذلك أحد كرام الأنصار: جابر بن عبد الله فيقول:
(إن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله .. ألا أجعل لك منبرًا تقعد عليه فإن لي غلامًا نجارًا .. ، فقال -صلى الله عليه وسلم -:
"إن شئت" .. ، فعملت له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة قعد على المنبر الذي صنع له، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق، فترل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حتى أخذها، فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت. قال -صلى الله عليه وسلم -: "بكت على ما كانت تسمع من الذكر عندها"(٢) ثم عاد -صلى الله عليه وسلم - إلى منبره.
[فماذا صنع]
يقول سهل الساعدي: إن المرأة أمرت غلامها (فعملها من طرفاء
(١) حديث صحيح. رواه البخاري والبيهقيُّ (٢/ ٥٦٠). (٢) حديث صحيح. رواه البخاري والبيهقيُّ (٢/ ٥٦٠).