وكما غَالَى بعض العلماء في اعتبار المقاصد - غَالَى بعضهم الآخر في اعتبار ظاهر الأعمال دون نظر إلى النية، كالذي يؤثر عن أبي حنيفة وأصحابه، من أن من أراد أن يقول شيئًا لامرأته فسبقه لسانه، فقال: أنت طالق - لزمه الطلاق في القضاء وفي الفتيا وبينه وبين الله - عَزَّ وَجَلَّ -.
وقد ذهب الجمهور في هذه المسألة إلى أن هذا المطلق غير القاصد للطلاق إن قامت عليه بينة - قضى عليه بالطلاق. وإن لم تقم عليه بَيِّنَةٌ، لكن جاء يستفتي لم يلزمه الطلاق، لقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: ٥]، وحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، أما إذا قامت بينة، فإنه حق ثبت، وقد ادعى بطلان ذلك الحق بقول هـ:«لَمْ أَنْوِ الطَّلاَقَ» فدعواه باطلة (٢).
نَتَائِجُ هَذَا الاِتِّجَاهِ:
وقد كان من نتائج هذا الاتجاه الخلقي النفسي، الذي يحتفي بالنية والقصد، ويهتم بالمآلات التي تصير إليها الأفعال، حيث تعتبر من العوامل التي تحدد القصد، وتعين على تعرفه - أن مال أهل الحديث إلى القول بسد الذرائع، كما مالوا بكل ثقلهم إلى القول بإبطال الحيل.
ويهمنا الآن أن نستكشف العلاقة ما بين هذا الاتجاه عند المحدثين وموقفهم من الذرائع والحيل.