في الصحيحين (١) عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت:"كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شدَّ مئزرَهُ، وأحيا ليلَة، وأيقَظَ أهلَه". هذا لفظ البخاري. ولفظ مسلمٍ:"أحيا الليل، وأيقظ أهلَهُ، وجَدَّ، وشَدَّ المِئْزَرَ". وفي رواية لمسلم عنها، قالت:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهدُ في العشر الأواخر ما لا يجتهدُ في غيره". كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصُّ العشرَ الأواخِرَ من رمضَانَ بأعمالٍ لا يعملُها (٢) في بقيَّة الشهر؛ فمنها: إحياءُ الليل؛ فيحتمل أنَّ المرادَ إحياء الليل كلِّه.
وقد روي من حديث عائشة من وجهٍ فيه ضعفٌ بلفظ:"وأحيا الليل كلَّه". وفي "المسند"(٣) من وجهٍ آخرَ عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخلِط العشرين بصلاةٍ ونومٍ، فإذا كان العشر - يعني (٤) الأخير - شمَّر وشدَّ المئزَرَ.
وخرَّج الحافظ أبو نُعَيم (٥) بإسنادٍ فيه ضعفٌ، عن أنسٍ، قال:"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا شهِدَ رمضانَ قام ونام، فإذا كان أربعًا وعشرين لم يَذقْ غُمْضًا". ويحتمل أن يريدَ بإحياء الليل إحياءَ غالبه. وقد روي عن بعض المتقدِّمين من بني هاشمٍ - ظنَّه الراوي أبا جعفرٍ (٦) محمد بن علي - أنَّه فسَّر ذلك بإحياء نصفِ الليل، وقال: من أحيا نصفَ الليل فقد أحيا الليل. وقد سبق مثل هذا في قول عائشة رضي الله عنها:"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومُ شعبانَ كلَّه، كان يصومُ شعبان إلَّا قليلًا"(٧). ويؤيِّدُه ما في "صحيح مسلم"(٨) عن عائشة، قالت:"ما أعلمُه - صلى الله عليه وسلم - قام ليلةً حتَّى الصباح".
(١) أخرجه البخاري رقم (٢٠٢٤) في فضل ليلة القدر: باب العمل في العشر الأواخر من رمضان. ومسلم رقم (١١٧٤) في الاعتكاف: باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. (٢) في ب: "لا يعلمها"، وفي الهامش: "لا يعملها"، وفوقها "معًا". (٣) مسند أحمد ٦/ ١٤٦. (٤) قوله: "يعني الأخير" لم يرد في آ، ش، ع، ومسند أحمد. (٥) الحلية ٦/ ٣٠٦. (٦) هو أبو جعفر الباقر، محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثقة، فاضل، وقد سبقت ترجمته. (٧) أخرجه مسلم رقم (١١٥٦) في الصيام: باب صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير رمضان. وفي آ، ش، ع: "كان يصومه إلا قليلًا". (٨) بعض حديث طويل أخرجه مسلم رقم (٧٤٦) في صلاة المسافرين: باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض.