وصَحِبَ رجلٌ رجلًا شهرينِ، فلم يَرَهُ نائمًا، فقالَ: ما لي لا أراكَ نائمًا؟! قالَ: إنَّ عجائبَ القرآنِ أطَرْنَ نومي، ما أخْرُجُ مِن أُعجوبةٍ إلَّا وَقَعْتُ في أُخرى.
قالَ أحْمَدُ بنُ أبي الحَوَاري: إنِّي لأَقْرَأُ القرآنَ وأنْظُرُ في آيةٍ آيةٍ، فيَحِيرُ عقلي بها، وأعْجَبُ مِن حفَّاظِ القرآنِ كيفَ يَهْنِيهِمُ النَّومُ ويَسَعُهُم أنْ يَشْتَغِلوا بشيءٍ منَ الدُّنيا وهُم يَتْلونَ كلامَ اللهِ؟! أما إنَّهُم لو فَهِموا ما يَتْلونَ وعَرَفوا حقَّهُ وتَلَذَّذوا بهِ واسْتَحْلَوُا المناجاةَ بهِ؛ لذَهَبَ عنهُمُ النَّومُ فرحًا بما قد رُزِقوا.
وأنْشَدَ ذو النُّونِ:
مَنَعَ القُرَانُ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ … مُقَلَ العُيونِ بِلَيْلِها لا تَهْجَعُ
وخَرَّجَ الإمامُ أحْمَدُ مِن حديثِ سَمُرَةَ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى في منامِهِ رجلًا مستلقيًا على قفاهُ ورجلٌ قائمٌ بيدِهِ فهرٌ أو صخرةٌ فيَشْدَخُ بهِ رأْسَهُ فيَتَدَهْدَهُ الحجرُ، فإذا ذَهَبَ لِيَأخُذَهُ؛ عادَ رأْسُهُ كما كانَ، فصَنَعَ بهِ مثلَ ذلكَ، فسَألَ عنهُ، فقيلَ لهُ: هذا رجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فنامَ عنهُ بالليلِ ولمْ يَعْمَلْ بهِ بالنَّهارِ، فهوَ يَفْعَلُ بهِ ذلكَ إلى يومِ القيامةِ (٢). وقد
(١) في خ: "القرآن فينام عنه … ينتصب له القرآن"، والأولى ما أثبتّه من م و ن و ط. (٢) رواه: أحمد (٥/ ١٤)، والبخاري (٢٣ - الجنائز، ٩٣ - باب، ٣/ ٢٥١/ ١٣٨٦)؛ كلاهما من=