قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَاسْتِفْتَاءُ الْقَلْبِ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ أَبَاحَ الْمُفْتِي، أَمَّا حَيْثُ حَرَّمَ فَيَجِبُ الِامْتِنَاعُ، ثُمَّ لَا نَقُولُ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ، فَرُبَّ قَلْبٍ مُوَسْوَسٌ يَنْفِي كُلَّ شَيْءٍ، وَرُبَّ قَلْبٍ مُتَسَاهِلٌ يَطِيرُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهَذَيْنِ الْقَلْبَيْنِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِقَلْبِ الْعَالِمِ الْمُوَفَّقِ لِدَقَائِقِ الْأَحْوَالِ، فَهُوَ الْمَحِكُ الَّذِي يُمْتَحَنُ بِهِ حَقَائِقُ الْأُمُورِ، وَمَا أَعَزَّ هَذَا الْقَلْبَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الْإِيمَانِ"١: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَعْرِفُ فِي مَنَامِهِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ ما عسى يَحْتَاجَ إِلَيْهِ، أَوْ يُحَدَّثَ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ: "وَكَيْفَ يُحَدَّثُ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ الْمَلَكُ عَلَى لِسَانِهِ"٢.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ٣ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي: يُلْقِي فِي رَوْعِهِ.
قَالَ الْقَفَّالُ: لَوْ تُثْبَتُ الْعُلُومُ بِالْإِلْهَامِ لَمْ "يَكُنْ"* لِلنَّظَرِ مَعْنًى، وَنَسْأَلُ الْقَائِلَ بِهَذَا عَنْ دَلِيلِهِ، فَإِنِ احْتَجَّ بِغَيْرِ الْإِلْهَامِ "فَقَدْ** نَاقَضَ قَوْلَهُ. انْتَهَى.
وَيُجَابُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ: بِأَنَّ مُدَّعِيَ الْإِلْهَامِ لَا يَحْصُرُ الْأَدِلَّةَ فِي الْإِلْهَامِ، حَتَّى يَكُونَ اسْتِدْلَالُهُ بِغَيْرِ الْإِلْهَامِ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ، نَعَمْ إِنِ اسْتَدَلَّ عَلَى إِثْبَاتِ الْإِلْهَامِ بِالْإِلْهَامِ، كَانَ فِي ذَلِكَ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ.
ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِدْلَالِ لِثُبُوتِ الْإِلْهَامِ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ، مِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ دَعْوَى هَذَا الْفَرْدِ لِحُصُولِ الْإِلْهَامِ لَهُ صَحِيحَةٌ، وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قَلْبَهُ مِنَ الْقُلُوبِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُوَسْوَسَةٍ ولا بمتساهلة.
* في "أ": يظن.** في "أ": فهو.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute