[المسألة الرابعة: حكم إفتاء المقلد]
اختلفو هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِمَذْهَبِ إِمَامِهِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ، أَوْ بِمَذْهَبِ إِمَامٍ آخَرَ؟
فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ، وَالصَّيْرَفِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: وَمَوْضُوعُ هَذَا الِاسْمِ، يَعْنِي: الْمُفْتِيَ، لِمَنْ قَامَ لِلنَّاسِ بِأَمْرِ دِينِهِمْ و"علم"* حَمْلَ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَخُصُوصِهِ، وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَكَذَلِكَ السُّنَنُ، وَالِاسْتِنْبَاطُ، وَلَمْ يُوضَعْ لِمَنْ عَلِمَ مَسْأَلَةً وَأَدْرَكَ حَقِيقَتَهَا، فَمَنْ بَلَغَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ سَمَّوْهُ بِهَذَا الِاسْمِ، وَمَنِ اسْتَحَقَّهُ أَفْتَى فِيمَا اسْتُفْتِيَ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: الْمُفْتِي مَنِ اسْتُكْمِلَ فِيهِ ثَلَاثُ شَرَائِطَ: الِاجْتِهَادُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالْكَفُّ عَنِ التَّرْخِيصِ وَالتَّسَاهُلِ، قَالَ: وَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ مِنْ الِاسْتِظْهَارِ فِي الِاجْتِهَادِ أَكْثَرَ مِمَّا يَلْزَمُ الْمُفْتِيَ.
قَالَ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ": اخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى بِمَا يَحْكِيهِ عَنِ الْمُفْتِينَ، فَنَقُولُ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَحْكِيَ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ، فَإِنْ حَكَى عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لِلْمَيِّتِ، "بِدَلِيلِ أَنَّ"** الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِلَافِهِ حَيًّا، وَيَنْعَقِدُ عَلَى مَوْتِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ قَوْلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ صُنِّفَتْ كُتُبُ الفقه مع فناء أرباها؟
قُلْتُ: لِفَائِدَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا:
اسْتِفَادَةُ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْحَوَادِثِ، وَكَيْفَ بُني بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.
وَالثَّانِيَةُ:
مَعْرِفَةُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَلَا يُفتى بِغَيْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَفِي كَلَامِهِ هَذَا التَّصْرِيحُ بِالْمَنْعِ مِنْ تَقْلِيدِ الْأَمْوَاتِ، وَقَدْ حَكَى الْغَزَالِيُّ فِي "الْمَنْخُولِ" إِجْمَاعَ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَقْلِيدِ الْأَمْوَاتِ١.
* في "أ": وعلى.** في "أ": لأن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute