الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: فِي وُجُوهِ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ فِي الظَّاهِرِ
[مدخل]
...
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ.
وَمَنْ نَظَرَ فِي أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَجَدَهُمْ مُتَّفِقِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ وَتَرْكِ الْمَرْجُوحِ، وَقَدْ سَمَّى بَعْضُهُمْ هَذَا الْمُخَالِفَ فِي الْعَمَلِ بِالتَّرْجِيحِ فَقَالَ هُوَ الْبَصْرِيُّ الْمُلَقَّبُ بِـ"جُعَل"* كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي، وَاسْتَبْعَدَ الْإِبْيَارِيُّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِعْمَالِ التَّرْجِيحِ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ طَبَقَاتِ "أَهْلِ"** الْإِسْلَامِ.
وَشَرَطَ الْقَاضِي فِي التَّرْجِيحِ شَرْطًا غير ما قد ذكرنا فِي الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالتَّرْجِيحِ الْمَظْنُونِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ امْتِنَاعُ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ مِنَ الظُّنُونِ، وَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الظُّنُونُ الْمُسْتَقِلَّةُ بأنفسها؛ لانعقاد إجماع الصحابة عليها، وما راء ذلك يبقى على الأصل، والترجيح.
* في "أ": سحعل وهو تحريف.** ما بين قوسين ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute