الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: التَّخْصِيصُ بِالْحِسِّ
فَإِذَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِعُمُومٍ يَشْهَدُ الْحِسُّ بِاخْتِصَاصِهِ بِبَعْضِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْعُمُومُ، كَانَ ذَلِكَ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ، قَالُوا: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْء} ١ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُؤْتَ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ، الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا كَانَ فِي يَدِ سُلَيْمَانَ، كذلك قوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} ٢ وقوله: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} ٣.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي عَدِّ هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَهُوَ خُصُوصُ، مَا أُوتِيَتْهُ هَذِهِ وَدَمَّرَتْهُ الرِّيحُ لَا مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ.
قَالَ: وَلَمْ يَحْكُوا الْخِلَافَ السَّابِقَ فِي التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ، وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ.
وَنَازَعَ الْعَبْدَرِيُّ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ دَلِيلِ الْحِسِّ وَدَلِيلِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُومِ كُلِّهَا الْحِسُّ.
وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي دَلِيلِ الْحِسِّ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي دَلِيلِ الْعَقْلِ، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء} ٤ وقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْت} ٥ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، لَا مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ شهادة العقل وشهادة الحس.
١ جزء من الآية "٢٣" من سورة النمل.٢ جزء من الآية "٢٥" من سورة الأحقاف.٣ جزء من الآية "٥٧" من سورة القصص.٤ جزء من الآية "٦٢" من سورة الزمر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute