الْبَحْثُ الثَّانِي: الِاسْتِصْحَابُ
أَيْ: اسْتِصْحَابُ الْحَالِ لِأَمْرٍ وُجُودِيٍّ، أَوْ عَدَمِيٍّ، عَقْلِيٍّ، أَوْ شَرْعِيٍّ١.
وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُصَاحَبَةِ، وَهُوَ بَقَاءُ ذَلِكَ الْأَمْرِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُغَيِّرُهُ، فَيُقَالُ: الْحُكْمُ الْفُلَانِيُّ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى، وَكُلَّمَا كَانَ فِيمَا مَضَى، وَلَمْ يُظَنَّ عَدَمُهُ، فَهُوَ مَظْنُونُ الْبَقَاءِ.
قَالَ الْخُوَارَزْمِيُّ فِي "الْكَافِي": وَهُوَ آخِرُ مَدَارِ الْفَتْوَى، فَإِنَّ الْمُفْتِي إِذَا سُئِلَ عَنْ حَادِثَةٍ، يَطْلُبُ حُكْمَهَا فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ فِي السُّنَّةِ، ثُمَّ فِي الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَيَأْخُذُ حُكْمَهَا مِنِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ، فَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي زَوَالِهِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي ثُبُوتِهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ، انْتَهَى.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى أَقْوَالٍ٢:
الْأَوَّلُ:
أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَبِهِ قَالَتِ الْحَنَابِلَةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالظَّاهِرِيَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّفْيِ أَوِ الْإِثْبَاتِ، وحكاه ابن الحاجب عن الأكثر.
الثَّانِي:
أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الحنفية، والمتكلمين، كأبي الحسين البصري،
١ انظر ميزان الأصول ٢/ ٩٣٢ والمنخول ٣٧٢ والبحر المحيط ٦/ ١٧.٢ انظر ميزان الأصول "٢/ ٩٣٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute