قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ بِهَذِهِ الْقُيُودِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي اعْتِبَارِهَا، وَأَمَّا ابْنُ الْمُنِيرِ، فَقَالَ: هُوَ احْتِكَامٌ مِنْ قَائِلِهِ، ثُمَّ هُوَ تصوير بِمَا لَا يُمْكِنُ عَادَةً، وَلَا شَرْعًا، أَمَّا عَادَةً: فَلِأَنَّ الْقَطْعَ فِي الْحَوَادِثِ الْمُسْتَقِلَّةِ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ؛ إِذْ هُوَ عَبَثٌ وَعِنَادٌ، وَأَمَّا شَرْعًا: فَلِأَنَّ الصَّادِقَ الْمَعْصُومَ قَدْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّ الْأُمَّةَ لَا يَتَسَلَّطُ عَدُوُّهَا عَلَيْهَا لِيَسْتَأْصِلَ شَأْفَتَهَا١.
قَالَ: وَحَاصِلُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ رَدُّ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا، لِتَضْيِيقِهِ فِي قَبُولِهَا بِاشْتِرَاطِ مَا لَا يُتَصَوَّرُ وَجُودُهُ. انْتَهَى.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا تَحَامُلٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْفَقِيهَ يَفْرِضُ الْمَسَائِلَ النَّادِرَةَ، لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا، بَلِ الْمُسْتَحِيلَةَ لِرِيَاضَةِ "الْأَذْهَانِ"*، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَافَّةُ الْخَلْقِ، وتصوير الغزالي إنما هُوَ فِي أَهْلِ مَحَلَّةٍ بِخُصُوصِهِمُ، اسْتَوْلَى عَلَيْهِمُ الْكُفَّارُ، لَا جَمِيعُ الْعَالَمِ، وَهَذَا وَاضِحٌ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَسْتُ أُنْكِرُ عَلَى مَنِ اعْتَبَرَ أَصْلَ الْمَصَالِحِ، لَكِنَّ الِاسْتِرْسَالَ فِيهَا، وَتَحْقِيقَهَا مُحْتَاجٌ إِلَى نَظَرٍ سَدِيدٍ، وَرُبَّمَا يَخْرُجُ عَنِ الْحَدِّ، وَقَدْ نَقَلُوا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَطَعَ لِسَانَ الْحُطَيْئَةِ٢ بِسَبَبِ الْهَجْوِ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْعَزْمِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، وَحَمْلُهُ عَلَى التَّهْدِيدِ الرَّادِعِ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَةِ الْقَطْعِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَهَذَا يَجُرُّ إِلَى النَّظَرِ فِيمَا يُسَمَّى مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً.
قَالَ: وَشَاوَرَنِي بَعْضُ الْقُضَاةِ فِي قَطْعِ أُنْمُلَةِ شَاهِدٍ، وَالْغَرَضُ مَنْعُهُ عَنِ الْكِتَابَةِ بِسَبَبِ قَطْعِهَا، وَكُلُّ "هَذِهِ"** مُنْكَرَاتٌ عَظِيمَةُ الْمَوْقِعِ فِي الدِّينِ، وَاسْتِرْسَالٌ قَبِيحٌ فِي أَذَى المسلمين. انتهى.
ولنذكر ههنا فوائد لها بعض اتصال بمباحث الاستدلال.
* في "أ": الأفهام.** في "أ": هذا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute