وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ المِنْهَالِ الضَّرِيْرُ، وَقَالَ:
كُنْتُ أَتَّهِمُهُ، قَالَ لِي: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ، ثُمَّ سَأَلْتُه بَعْدُ: أَسَمِعْتَ مِنِ ابْنِ عَوْنٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، نَحْوَ عِشْرِيْنَ حَدِيْثاً.
قُلْتُ: الجَمْعُ بَيْنَ القَوْلَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئاً مَا ضَبَطَهُ، وَلاَ حَفِظَهُ، فَصَدَقَ أَنْ يَقُوْلَ: مَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَإِلاَّ، فَأَبُو دَاوُدَ أَمِيْنٌ، صَادِقٌ، وَقَدْ أَخْطَأَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيْثَ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتَّكِلُ عَلَى حِفْظِهِ، وَلاَ يَرْوِي مِنْ أَصْلِهِ، فَالوَرَعُ أَنَّ المُحَدِّثَ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ وَيُوْصِي بِهِ إِمَامُ المُحَدِّثِيْنَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَلَمْ يُخَرِّجِ البُخَارِيُّ لأَبِي دَاوُدَ شَيْئاً؛ لأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عِدَّةٍ مِنْ أَقْرَانِهِ، فَمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
أَسرُدُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ - وَلاَ فَخْرَ - وَفِي صَدْرِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً لِعُثْمَانَ البُرِّيِّ، مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، فَخَرَجتُ إِلَى أَصْبَهَانَ، فَبَثَثْتُهَا فِيْهِم (١) .
قَالَ حَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ بنِ قُتَيْبَةَ: سُئِلَ النُّعْمَانُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ - وَأَنَا حَاضِرٌ - عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ (٢) .
عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ القَزْوِيْنِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيِّ، سَمِعْتُ بُنْدَاراً يَقُوْلُ:
مَا بَكَيْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، مَا بَكَيْتُ عَلَى أَبِي دَاوُدَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟
قَالَ: لِمَا كَانَ مِنْ حِفْظِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَحُسْنِ مُذَاكَرَتِهِ (٣) .
(١) " تاريخ بغداد " ٩ / ٢٧.(٢) " تاريخ بغداد " ٩ / ٢٨.(٣) " تاريخ بغداد " ٩ / ٢٧، و" تهذيب الكمال ": ٥٣٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute