شُعلَةُ نَارٍ بِلسَانٍ كَالحُسَامِ القَاطعِ (١) .
قَالَ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ: كَتبَ الصُّوْرِيُّ (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) فِي سَبْعَةِ أَطبَاقٍ مِنَ الوَرقِ البَغْدَادِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ فِي كِتَابِ (فِرَقِ الفُقَهَاءِ) لَهُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الوَرَّاقُ - وَكَانَ ثِقَةً، مُتْقِناً -:
أَنَّهُ شَاهدَ أَبَا عَبْدِ اللهِ الصُّوْرِيَّ، وَكَانَ فِيْهِ حُسنُ خُلُقٍ وَمُزَاحٌ وَضَحِكٌ، لَمْ يَكُنْ وَرَاءَ ذَلِكَ إِلاَّ الخَيْرُ وَالدِّينُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ شَيْئاً جُبِلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ بِالخَارِقِ لِلعَادَةِ، فَقَرَأَ يَوْماً جُزءاً عَلَى أَبِي العَبَّاسِ الرَّازِيِّ، وَعَنَّ لَهُ أَمرٌ ضَحَّكَهُ، وَكَانَ بِالحضرَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَأَنكَرُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا:
هَذَا لاَ يَصلُحُ، وَلاَ يَلِيقُ بِعِلمِكَ وَتَقدُّمِكَ أَنْ تَقرَأَ حَدِيْثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْت تَضْحَكُ.
وَكثَّرُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: شُيُوْخُ بَلَدِنَا لاَ يَرضُوْنَ بِهَذَا.
فَقَالَ: مَا فِي بَلَدِكُم شَيْخٌ إِلاَّ يَجِبُ أَنْ يَقْعُدَ بَيْنَ يَدَيَّ، وَيَقْتَدِي بِي، وَدَلِيْلُ ذَلِكَ: أَنِّي قَدْ صِرتُ مَعَكُم عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ، فَانظُرُوا إِلَى أَيِّ حَدِيْثٍ شِئْتُمْ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اقْرَؤُوا إِسْنَادَه، لأَقْرَأَ مَتنَهُ، أَوِ اقْرَؤُوا مَتْنَهُ حَتَّى أُخْبِرَكُم بِإِسْنَادِهِ.
ثُمَّ قَالَ البَاجِيُّ: لَزِمتُ الصُّوْرِيَّ ثَلاَثَةَ أَعْوَامٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ تَعرَّضَ لِفَتْوَى (٢) .
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الطُّيُوْرِيِّ: كَتبتُ عَنْ عِدَّةٍ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَحفَظَ مِنَ الصُّوْرِيِّ، كَانَ يَكْتُبُ بِفَردِ عَينٍ، وَكَانَ مُتَفَنِّناً، يَعرِفُ مِنْ كُلِّ (٣) عِلمٍ، وَقَولُهُ حُجَّة، وَعَنْهُ أَخذَ الخَطِيْبُ عِلْمَ الحَدِيْثِ (٤) .
(١) المصدر السابق.(٢) " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١١١٥، ١١١٦.(٣) في الأصل: " كلم " وهو خطأ.(٤) " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١١١٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute