للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لزكريا، لروحه وبدنه، والروح توصف بالوفاة والقبض [والإمساك] والإرسال، وهذا شأن المخلوق المحدث، وأما احتجاجهم بقوله: ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥]، فليس المراد هنا بالأمر الطلب، بل المراد به المأمور، والمصدر يذكر ويراد به اسم المفعول، وهذا معلوم مشهور، وأما استدلالهم بإضافتها إليه بقوله: ﴿مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: ٢٩]، فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله نوعان: صفات لا تقوم بأنفسها، كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها، فعلمه وكلامه وقدرته وحياته صفات له، وكذا وجهه ويده سبحانه. والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه، كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح، فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه، لكن إضافة تقتضي تخصيصا وتشريفا، يتميز بها المضاف عن غيره.

واختلف في الروح: هل هي مخلوقة قبل الجسد أم بعده؟ وقد تقدم عند ذكر الميثاق الإشارة إلى ذلك.

واختلف في الروح: ما هي؟ قيل: هي جسم، وقيل: عرض، وقيل: لا ندري ما الروح، أجوهر أم عرض؟ وقيل: ليس الروح شيئا أكثر من اعتدال الطبائع الأربع، وقيل: هي الدم الصافي الخالص من الكدرة والعفونات (١)، وقيل: هي الحرارة الغريزية، وهي الحياة، وقيل: [هو] جوهر بسيط منبث في العالم كله من الحيوان، على جهة الإعمال له والتدبير، [وهي] على ما وصفت من الانبساط في العالم، غير منقسمة الذات والبنية، وأنها في كل حيوان العالم بمعنى واحد لا غير، وقيل: النفس هي النسيم الداخل والخارج بالتنفس، وقيل غير ذلك. وللناس في مسمى الإنسان: هل هو الروح فقط، أو البدن فقط، أو مجموعهما، أو كل منهما؟ وهذه الأقوال الأربعة لهم في كلامه: هل هو اللفظ، أو المعنى فقط، أو هما، أو كل منهما؟ (٢) فالخلاف بينهم في الناطق ونطقه. والحق: أن الإنسان اسم لهما، وقد يطلق على أحدهما بقرينه، وكذا الكلام.


(١) في الأصل: الكدر.
(٢) قال عفيفي: انظر مباحث الروح من الصفحة ٢١٦ ج ٤ من "مجموع الفتاوى".

<<  <   >  >>