للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تأويل المعتزلة نصوص الكتاب والسنة تحريف للكلام عن موضعه]

وقوله: وتفسيره على ما أراد الله وعلمه، إلى أن قال: لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا. أي كما فعلت المعتزلة بنصوص الكتاب والسنة في الرؤية، وذلك تحريف لكلام الله وكلام رسوله عن مواضعه، فالتأويل الصحيح هو الذي يوافق ما جاءت به السنة، والفاسد المخالف له، فكل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق، ولا معه قرينة تقتضيه، فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه، إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره، حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ، فإن الله أنزل كلامه بيانا وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره، ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد، لم يكن بيانا ولا هدى، فالتأويل إخبار بمراد المتكلم، لا إنشاء.

وفي هذا الموضع يغلط كثير من الناس، فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه، فإذا قيل: معنى اللفظ كذا وكذا، كان إخبارا بالذي عنى المتكلم، فإن لم يكن الخبر مطابقا كان كذبا على المتكلم، ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة: منها: أن يصرح بإرادة ذلك المعنى، ومنها: أن يستعمل اللفظ الذي له معنى ظاهر بالوضع، ولا يبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى، فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له، كقوله: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٣]. و "إنكم ترون ربكم عيانا كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب" (١). فهذا مما يقطع به السامع له بمراد المتكلم، فإذا أخبر عن مراده بما دل عليه حقيقة لفظه الذي وضع له مع القرائن المؤكدة، كان صادقا في إخباره، وأما إذا تأول الكلام بما لا يدل عليه ولا اقترن به ما يدل عليه، فإخباره بأن هذا مراده كذب عليه، وهو تأويل بالرأي، وتوهم بالهوى.


(١) متفق عليه وتقدم "ص ١٦٣" مع النظر في كلمة "عيانا".

<<  <   >  >>