للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عباس : أنه رآه بعينه (١)، وروى عطاء عنه: أنه رآه بقلبه، ثم ذكر أقوالا وفوائد، ثم قال: وأما وجوبه لنبينا والقول بأنه رآه بعينه فليس فيه قاطع ولا نص، والمعول فيه على آيتي النجم، والتنازع فيهما مأثور، والاحتمال لهما ممكن، وهذا القول الذي قاله القاضي عياض هو الحق، فإن الرؤية في الدنيا ممكنة، إذ لو لم تكن ممكنة، لما سألها موسى ، لكن لم يرد نص بأنه رأى ربه بعين رأسه، بل ورد ما يدل على نفي الرؤية، وهو ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي ذر قال: سألت رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه" (٢). وفي رواية: "رأيت نورا". وقد روى مسلم أيضا عن أبي موس الأشعري أنه قال: قام فينا رسول الله بخمس كلمات، فقال: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور -وفي رواية: النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" (٣). فيكون -والله أعلم- معنى قوله لأبي ذر: "رأيت نورا": أنه رأى الحجاب، ومعنى قوله: "نور أنى أراه". النور الذي هو الحجاب يمنع من رؤيته، فأنى أراه؟ أي فكيف أراه والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته؟ فهذا صريح في نفي الرؤية. والله أعلم.

وحكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك، ونحن إلى تقرير رؤيته لجبريل أحوج منا إلى تقرير رؤيته (٤) لربه تعالى، وإن كانت رؤية الرب تعالى أعظم وأعلى، فإن النبوة لا يتوقف ثبوتها عليها البتة.

وقوله: بغير إحاطة ولا كيفية، هذا لكمال عظمته وبهائه، ، لا تدركه الأبصار ولا تحيط به، كما يعلم ولا يحاط به علما، قال تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]. وقال تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠].


(١) ضعيف، أخرجه ابن خزيمة في التوحيد بألفاظ مضطربة عنه موقوفا.
(٢) صحيح أخرجه مسلم في آخر "كتاب الإيمان" ويشهد له حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: "يوم القيامة أول يوم نظرت فيه عين إلى الله ﷿". رواه الدارقطني كما في "الدر" "٦/ ١٩١"، وله شاهد مرسل، رواه أبو سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" "٥٧" طبع المكتب الإسلامي.
(٣) صحيح، وقد مضى "برقم ٥٢".
(٤) ما في المطبوعتين خطأ وصوابه ما أثبتناه من الأصل ويؤيده ما في "الرد على الجهمية" للدارمي "ص ٦٤".

<<  <   >  >>