للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الزمر: ٤٢]؛ لأن ملك الموت يتولى قبضها واستخراجها، ثم يأخذها منه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، ويتولونها بعده، كل ذلك بإذن الله وقضائه وقدره، وحكمه وأمره، فصحت إضافة التوفي إلى كل بحسبه.

وقد اختلف في حقيقة النفس ما هي؟ وهل هي جزء من أجزاء البدن؟ أو عرض من أعراضه؟ أو جسم مساكن له مودع فيه؟ أو جوهر مجرد؟ وهل هي الروح أو غيرها؟ وهل الأمارة، و [هل] اللوامة، والمطمئنة نفس واحدة، أم هي ثلاثة أنفس؟ وهل تموت الروح، أو الموت للبدن وحده؟ وهذه المسألة تحتمل مجلدا، ولكن أشير إلى الكلام عليها مختصرا، إن شاء الله تعالى:

فقيل: الروح قديمة، وقد أجمعت الرسل على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، وهذا معلوم بالضرورة من دينهم، أن العالم محدَث، ومضى على هذا الصحابة والتابعون، حتى نبغت نابغة ممن قصر فهمه في الكتاب والسنة، فزعم أنها قديمة، واحتج بأنها من أمر الله، وأمره غير مخلوق! وبأن الله أضافها إليه بقوله: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥]، وبقوله: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: ٢٩]، كما أضاف إليه علمه وقدرته وسمعه وبصره ويده، وتوقف آخرون، واتفق أهل السنة والجماعة أنها مخلوقة، وممن نقل الإجماع على ذلك: محمد بن نصر المروزي، وابن قتيبة وغيرهما، ومن الأدلة "على" أن الروح مخلوقة، قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: ١٨ والزمر: ٦٢]، فهذا عام لا تخصيص فيه بوجه ما، ولا يدخل في ذلك صفات الله تعالى، فإنها داخلة في مسمى اسمه، فالله تعالى هو الإله الموصوف بصفات الكمال، فعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره وجميع صفاته داخل في مسمى اسمه فهو سبحانه بذاته وصفاته الخالق، وما سواه مخلوق، ومعلوم قطعا أن الروح ليس هي الله، ولا صفة من صفاته، وإنما هي من مصنوعاته، ومنها قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الدهر: ١]، وقوله تعالى لزكريا: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: ٩]. والإنسان اسم لروحه وجسده، والخطاب

<<  <   >  >>