عن ذكرها اختصارا، ذكر هذه المذاهب أبو المعين النسفي (١) في تبصرة الأدلة" وغيره.
وحاصل الكل [يرجع] إلى أن الإيمان: إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح، كما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم ﵏، كما تقدم، أو بالقلب واللسان دون الجوارح، كما ذكره الطحاوي عن أبي حنيفه وأصحابه ﵏، أو باللسان وحده، كما تقدم ذكره عن الكرامية، أو بالقلب وحده، وهو إما المعرفة، كما قاله الجهم، أو التصديق كما قاله أبو منصور الماتريدي ﵀، وفساد قول الكرامية والجهم بن صفوان ظاهر.
والاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة، اختلاف صوري. فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب، أو جزءا من الإيمان، مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه: نزاع لفظي، لا يترتب عليه فساد اعتقاد. والقائلون بتكفير تارك الصلاة، ضموا إلى هذا الأصل أدلة أخرى، وإلا فقد نفى النبي ﷺ الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتهب، ولم يوجب ذلك زوال اسم الإيمان عنهم بالكلية، اتفاقا. ولا خلاف بين أهل السنة أن الله تعالى أراد من العباد القول والعمل، وأعني بالقول: التصديق بالقلب والإقرار باللسان، وهذا الذي يعنى به عند إطلاق قولهم: الإيمان قول وعمل. لكن هذا المطلوب من العباد: هل يشمله اسم الإيمان؟ أم الإيمان أحدهما، وهو القول وحده، والعمل مغاير له لا يشمله اسم الإيمان عند إفراده بالذكر، وإن أطلق عليهما كان مجازا؟ هذا محل النزاع.
وقد أجمعوا على أنه لو صدق بقلبه وأقر بلسانه، وامتنع عن العمل بجوارحه:[أنه] عاص لله ورسوله، مستحق للوعيد، لكن فيمن يقول: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان من قال: لما كان الإيمان شيئا واحدا فإيماني كإيمان أبي بكر
(١) هو ميمون بن محمد بن محمد أبو المعين النسفي الحنفي عالم بالأصول والكلام كان بسمرقند وسكن بخارى، له كتب عدة "٤١٨ - ٥٠٨".