للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ظن بعض الناس أن التوكل ينافي الاكتساب وتعاطي الأسباب، وأن الأمور إذا كانت مقدرة فلا حاجة إلى الأسباب! وهذا فاسد، فإن الاكتساب: منه فرض، ومنه مستحب، ومنه مباح، ومنه مكروه، ومنه حرام، كما قد عرف في موضعه. وقد كان النبي أفضل المتوكلين، يلبس لأمة الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب، حتى قال الكافرون: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٧]. ولهذا تجد كثيرا ممن يرى الاكتساب ينافي التوكل يرزقون على يد من يعطيهم، إما صدقة، وإما هدية، وقد يكون [ذلك] من مكاس، أو والي شرطة، أو نحو ذلك، وهذا مبسوط في موضعه، لا يسعه هذا المختصر. وقد تقدمت الإشارة إلى بعض الأقوال التي في [تفسير] قوله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٩]. وأما قوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: ٢٩] فقال البغوي. قال مقاتل: نزلت في اليهود حين قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت! قال المفسرون: من شأنه أنه يحيي ويميت، ويرزق، ويعز قوما ويذل آخرين، ويشفي مريضا، ويفك عانيا، ويفرج مكروبا، ويجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويغفر ذنبا، إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء.

قوله: "وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه".

ش: هذا بناء على ما تقدم من أن المقدور كائن لا محالة، ولقد أحسن القائل حيث يقول:

ما قضى الله كائن لا محاله … والشقي الجهول من لام حاله

والقائل الآخر:

اقنع بما ترزق يا ذا الفتى … فليس ينسى ربنا نمله

إن أقبل الدهر فقم قائما … وإن تولى مدبرا نم له

قوله: "وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه، فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما، ليس فيه ناقض، ولا معقب ولا مزيل ولا مغير ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه".

<<  <   >  >>