للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان. آخره التعمق: هو المبالغة في طلب الشيء. والمعنى: أن المبالغة في طلب القدر والغوص في الكلام فيه ذريعة الخذلان. الذريعة: الوسيلة. والذريعة والدرجة والسلم متقاربة المعنى، وكذلك الخذلان والحرمان والطغيان متقاربة المعنى أيضا. لكن الخذلان في مقابلة الظفر، والطغيان في مقابلة الاستقامة.

وقوله: فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة. عن أبي هريرة ، قال: جاء ناس من أصحاب النبي إلى رسول الله ، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: "وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم، قال: "ذلك صريح الإيمان" (١). رواه مسلم، الإشارة بقوله: ذلك صريح الإيمان إلى تعاظم أن يتكلموا به. ولمسلم أيضا عن عبد الله بن مسعود ، قال: سئل رسول الله عن الوسوسة؟ فقال: "تلك محض الإيمان" (٢). فهو بمعنى حديث أبي هريرة، فإن وسوسة النفس أو مدافعة وسواسها بمنزلة المحادثة الكائنة بين اثنين، فمدافعة الوسوسة الشيطانية واستعظامها صريح الإيمان ومحض الإيمان. هذه طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ثم خلف من بعدهم خلف، سودوا الأوراق بتلك الوساوس، التي هي شكوك وشبه، بل سودوا الأوراق بتلك الوساوس، التي هي شكوك وشبه، بل وسودوا القلوب، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ولذلك أطنب الشيخ في ذم الخوض في الكلام في القدر والفحص عنه. وعن عائشة أنها قالت: قال رسول الله : "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" (٣). وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا داود ابن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال (٤): فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب،


(١) أخرجه مسلم "١/ ٨٣" وكذا أحمد "٢/ ٤٥٦".
(٢) رواه مسلم عنه، وأحمد "٦/ ١٠٦" من حديث عائشة.
(٣) متفق عليه.
(٤) القائل هو المشاهد لغضب النبي عندما سمعهم يخوضوا في بحث القدر، لما في الخوض به من مخالفة لما شرعه الله سبحانه.

<<  <   >  >>