قبل الصراط؛ لأنه يختلج عنه، ويمنع منه، أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط، وروى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد الله البجلي، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أنا فرطكم على الحوض"(١). والفرط: الذي يسبق إلى الماء. وروى البخاري عن سهل بن سعد الأنصاري، قال: قال رسول الله ﷺ: "إني فرطكم على الحوض، من مر عليّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم"(٢). قال أبو حازم: فسمعني النعمان ابن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم. فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري، سمعته وهو يزيد: فأقول: "إنهم من أمتي" فقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فقال:"سحقا سحقا لمن غير بعدي". سحقا: أي بعدا.
والذي يتخلص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض: أنه حوض عظيم، ومورد كريم، يمد من شراب الجنة، من نهر الكوثر، الذي هو أشد بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحا من المسك، وهو في غاية الاتساع، عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر، وفي بعض الأحاديث: أنه كلما شرب منه وهو في زيادة واتساع، وأنه ينبت في خلاله من المسك والرضراض من اللؤلؤ [و] قضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر، فسبحان الخالق الذي لا يعجزه شيء، وقد ورد في أحاديث: أن لكل نبي حوضا، وأن حوض نبينا ﷺ أعظمها وأحلاها وأكثرها واردا (٣). جعلنا الله منهم بفضله وكرمه.
(١) صحيح، متفق عليه، بل هو حديث متواتر، قد أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" عن تسعة من الصحابة "٧٣٦ - ٧٤٦" وزدت عليهم تسعة آخرين في "ظلال الجنة" "١/ ٣٤٧"، مع تخريجها. (٢) صحيح، رواه مسلم أيضا "٧/ ٦٦"، وهو مخرج في "الظلال" "٧٤١ - ٧٤٣". (٣) حسن أخرجه الترمذي "٢/ ٦٧" طبع الهند. وقال "غريب" ثم ذكر أنه ورد مرسلا وقال: "وهو أصح" ورواه الطبراني أيضا كما في "المجمع" "١٠/ ٣٦٣" وقال: "وفيه مروان بن جعفر السمري وثقه ابن أبي حاتم، وقال الأزدي: يتكلمون فيه، وبقية رجاله ثقات". ثم وجدت ما يقوي الحديث، فخرجته في الصحيحة "١٥٨٩".