[وقال سعدون: قلت للكسائىّ: الفرّاء أعلم أم الأحمر [١]؟]، فقال:
الأمر أكثر حفظا، والفرّاء أحسن عقلا، وأنفذ فكرا، وأعلم بما يخرج من رأسه.
وقال سلمة: خرجت من منزلى، فرأيت أبا عمر الجرمىّ واقفا على بابى، فقال لى: يا أبا محمد، امض بى إلى فرّائك [٢] هذا، فقلت: امض، فانتهينا إلى الفرّاء وهو جالس على بابه، يخاطب قوما من أصحابه في النحو، فلمّا عزم على النّهوض، قلت له: يا أبا زكرياء، هذا أبو عمر صاحب البصريين، تحبّ أن تكلّمه في شىء؟ فقال: نعم، ما يقول أصحابك في كذا وكذا! قال: يلزمهم كذا وكذا، ويفسّر هذا من جهة كذا وكذا، قال: فألقى عليه مسائل، وعرّفه الإلزامات فيها، فنهض وهو يقول: يا أبا محمد، ما هذا الرّجل إلا شيطان. وكرر ذلك مرتين أو ثلاثا [٣].
أنبأنا زيد بن الحسن، أخبرنا القزّاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسين السّليطىّ بنيسابور، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ، قال: سمعت محمد بن الجهم، يقول: سمعت الفرّاء يقول: كان عندنا رجل يقرأ القرآن برأيه، فقيل له:(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ [٤])
؟ فقال: رجل سوء والله، فقيل:(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [٤])
قال: فسكت طويلا ثم قال:
من هذا أعجب [٥]!
[١] تكملة من ب وتاريخ بغداد. [٢] تاريخ بغداد: «فرّاثكم». [٣] تاريخ بغداد ١٤: ١٥٤. [٤] سورة الماعون ١، ٢. [٥] تاريخ بغداد ١٤: ١٥٤.