وهذا كله مما يُرجح به قول من قَالَ إن صلاة العصر هي الوسطى.
وأما الوقت الثالث فهو الدُّلجة.
والإِدلاج: سير آخر الليل، والمراد به ها هنا العمل في آخر الليل وهو وقت الاستغفار، كما قَالَ تعالى:{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: ١٧]، وقال تعالى:{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات: ١٨].
وهو آخر أوقات النزول الإلهي المتضمن لاستعراض حوائج السائلين، واستغفار المذنبين، وتوبة التائبين، وسط الليل للمحبين للخلوة بحبيبهم، وآخر الليل للمذنبين يستغفرون (من ذنوبهم)(*).
من عجز عن مشاركة المحبين في الجري معهم في ذلك المضمار فلا أقلَّ من مشاركة المذنبين في الاعتذار.
ورد في بعض الآثار: أن العرش يهتز من السَّحَر.
قَالَ طاووس: ما كنت أظن أن أحدًا ينام في السحر.
وفي الحديث الَّذِي خرَّجه الترمذي (٢): "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل".
سير الدلجة آخر الليل يقطع به سفر الدُّنْيَا.
ولهذا في الحديث الَّذِي خرّجه مسلم (٣): "إذا سافرتم فعليكم بالدُّلجة فإنَّ
(١) أخرجه البخاري (١١٤٥)، ومسلم (٧٥٨) عن أبو هريرة مرفوعًا: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إِلَى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، منع يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". (*) لذنوبهم: "نسخة". (٢) برقم (٢٤٥٠) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر. (٣) لم أجده في مسلم، وأخرجه أبو داود (٢٥٧١)، وابن خزيمة (٢٥٥٥) عن أنس مرفوعًا. وأخرجه أحمد (٣/ ٣٠٥، ٣٨١)، وأبو داود (٢٥٧٠)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (٩٥٥)، وابن ماجه (٣٢٩)، (٣٧٧٢)، وابن=