اتجه العلماء في حكم بيع العربون والإجارة بالعربون اتجاهين: اتجاه الجمهور، واتجاه الحنابلة.
١- أما الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية وأبو الخطاب الحنبلي فقالوا: أنه عقد ممنوع غير صحيح، فاسد عند الحنفية، باطل عند غيرهم. وهو قول ابن عباس والحسن البصري (١) .
واستدلوا على عدم جوازه بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العربون)) (٢) .
- وعلة النهي اشتماله على شرطين فاسدين؛ أحدهما: كون ما دفعه إليه يكون مجانًا، إن اختار ترك السلعة، والثاني: شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع.
- وفيه غرر، وأكل لأموال الناس بالباطل.
- ولأنه شرط للبائع شيئًا بغير عوض، فلم يصح، كما لو شرطه لأجنبي.
- ولأنه بمنزلة الخيار المجهول، فإنه اشترط أن يكون له رد المبيع من غير ذكر مدة، فلم يصح، كما لو قال: ولي الخيار متى شئت رددت السلعة، ومعها درهمًا. وهذا هو مقتضى القياس.
٢- وأما الحنابلة في ظاهر الرواية عن الإمام أحمد فقالوا: لا بأس به، وهو عقد صحيح (٣) .ودليلهم: ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه من حديث زيد بن أسلم أنه: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العربان في البيع، فأحله)) (٤) .
- وفعله عمر رضي الله عنه، بدليل ما روي عن نافع بن الحارث:"أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر، كان البيع نافذًا، وإن لم يرض فلصفوان أربعمئة درهم"(٥) . ومن ها هنا قال الإمام أحمد: لا بأس ببيع العربون؛ لأن عمر فعله.
- وضعّف الإمام أحمد الحديث المروي في بيع العربان، وذلك صحيح كما تقدم في تخريجه.
(١) بداية المجتهد: ٢/ ١٦١؛ الشرح الكبير للدردير: ٣/ ٦٣؛ القوانين الفقهية ص ٢٥٨؛ مغني المحتاج: ٢/ ٣٩؛ شرح المجموع للنووي: ٩ /٣٦٨؛ حاشية قليوبي وعميرة على شرح المحلى للمنهاج: ٢/ ١٨٦؛ المغني: ٤/ ٢٢٣؛ المنتقى على الموطأ: ٤/ ١٥٧؛ الفقه الإسلامي وأدلته: ٤ /٤٤٩. (٢) حديث منقطع رواه مالك في الموطأ وأحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه، ضعفه ابن حجر في التخليص الحبير: ٣ /١٧، وفيه راو لم يسمّ، وسمي في رواية، فإذا هو ضعيف، وفيه طرق لا تخلو من مقال (انظر نيل الأوطار: ٥ /١٥٣؛ سبل السلام: ٣/ ١٧؛ الموطأ مع تنوير الحوالك: ٢/ ١٥١) . (٣) المغني: ٤/ ٢٣٢ وما بعدها؛ غاية المنتهى: ٢ /٢٦؛ إعلام الموقعين: ٣/ ٤٠٠ وما بعدها؛ ط محي الدين. (٤) حديث مرسل، وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيف (نيل الأوطار: ٥/ ١٥٣) . (٥) روى هذه القصة أبو بكر الأثرم بإسناده.