للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض الشبهات المطروحة وأجوبتها: ونحن هنا نذكر بعض الشبهات المثارة ليقف الإخوة على مدى ضحالتها، ويندفعوا للتعمق في الإجابة عن أمثالها:

أولا: ذكروا أن هناك بعض الروايات التي تتحدث عن الاكتفاء بكتاب الله عن غيره أو تنهى عن كتابة الحديث وأمثال ذلك.

ولكن المرء يكاد يجزم بأن هذه الروايات ـ لو صحت أسانيدها ـ إنما هي بصدد بيان فضل كتاب الله وعظمته، وأن لا وحشة على من كان معه القرآن، فهو خير أنيس للمؤمنين لا أن تكون بصدد جعله المصدر الوحيد للتشريع، كيف والقرآن نفسه يدعو إلى الاقتداء والتأسي والطاعة لرسول الله والأخذ بما يخبر به المخبرون عن الإسلام وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

أما الروايات التي ادعي فيها أن بعض الصحابة نهوا عن كتابة الحديث فلا علاقة لها بنفي العمل بالروايات وإنما كانت ـ فيما أعتقد ـ تعبر عن تحوط من قبلهم لئلا يقع الخلط بين الحديث والقرآن. وبغض النظر عن صحة هذا التحوط وعدمها فإنها لا دلالة فيها على ما يطلبه المشككون هؤلاء.

ثانيًا: ذكروا أن في الروايات ما هو معارض لغيره من الروايات نفسها ولما لم يكن من الممكن أن تتناقض السنة فيجب التوقف في المجموع.

ومن الواضح سخف هذا الاستدلال ذلك أن الروايات المتعارضة لها مساحة قليلة فإذا أريد التوقف فليكن في هذه الدائرة لا غير.

ثم إنه كثيرًا ما يكون التعارض ابتدائيًّا ـ أي بالنظرة الأولي ـ ولكن بمجرد التأمل ينحل ذلك التعارض بحصول جمع عرفي ظاهر بين التعارضين، أو بتخصيص أو تقييد أو تقدم لأحدهما على الآخر باعتباره قرينة والقرينة مقدمة على ذي القرينة أو باعتباره يرفع الموضوع أو يتصرف في الحكم مثل تقدم حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) على غيره من الأحكام الأولية.

نعم إذا استحكم التعارض توقفنا عن العمل بهما معًا.

ويجب أن نلاحظ هنا أن التعارض طبيعي الوقوع فقد يكون في الأصل ناشئًا من عملية تدرج في إعطاء الأحكام، أو من سقوط شيء وغيابه عن الراوي مما يغير المدلول، أو من وجود خبر مدسوس لا نعلم بدسه فنتصوره حجة علينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>