مقومات عقد الاستصناع عند الحنفية:
لقد ذكرنا فيما سبق أن الحنفية هم الذي يجيزون عقد الاستصناع، وهو عندهم عقد مستقل عن عقود البيع (١) ، ولكنه فقد بعض مستلزمات البيع، لأنه أشبه السلم من جهة، إذ هو كالسلم: بيع آجل بعاجل، لكنه يفترق عن السلم بأمور:
أولًا: لا يجب في الاستصناع تعجيل الثمن، بينما يجب في السلم التعجيل.
ثانيًا: لا يجب في الاستصناع بيان مدة الصنع والتسليم، بينما يجب ذلك في السلم.
ثالثًا: لا يجب كون المصنوع مما يوجد في الأسواق، بينما هو مشروط في السلم.
ويشبه الاستصناع الإجارة من جهة أخرى، من حيث أن الاستصناع بيع عمل كالإجارة، ويفترق عن الإجارة بشيئين:
الأول: أن الصانع يضع مادة الشيء المصنوع من ماله، وهو محل البيع، بينما الأجير مكلف بخصوص العمل.
الثاني: الإجارة على الصنع محل العقد فيها هو العمل، بينما في الاستصناع محل العقد هو العين الموصوفة في الذمة (٢) .
وقد عد السرخسي الاستصناع نوعًا من أنواع البيع، إذ قسمه إلى أربعة أنواع، قال: اعلم بأن البيوع أربعة:
الأول: بيع عين بثمن، وهو البيع المطلق.
الثاني: بيع دين في الذمة بثمن، وهو السلم.
الثالث: بيع عمل، العين فيه تبع، وهو الاستئجار.
الرابع: بيع عين، شرط فيه العمل، وهو الاستصناع (٣)
والكاساني اعتبر الاستصناع بيعًا، فقال (٤) : هو بيع، لكن للمشتري خيار الرؤية. وبهذا نعلم أن للاستصناع شبهًا بالإجارة من حيث أن فيه طلب الصنع، وهو العمل، وشبهًا بالبيع من حيث أن المقصود منه العين فلشبهه بالإجارة قلنا: يبطل بموت أحدهما، ولشبهه بالبيع وهو المقصود أجرينا فيه القياس والاستحسان، وأثبتنا خيار الرؤية (٥) .
ولهذا قال في الذخيرة: هو إجارة ابتداءً، بيع انتهاءً، لكن قبل التسليم، فإذا مات الصانع قبل التسليم يبطل، ولا يستوفي المصنوع من تركته (٦) .
وقد ذكر البابرتي صاحب العناية: أن أبا سعيد البردعي يقول: إن المعقود عليه هو العمل، وهو إجارة محضة (٧) . واستدلوا بفعل الصباغ، فإن في الصبغ العمل والعين، وهو إجارة محضة.
(١) فتح القدير، للكمال بن الهمام: ٦/٢٤٦، والكفاية، لجلال الدين الخوارزمي: ٦/١٦
(٢) فتح القدير، للكمال بن الهمام: ٦/٢٤٦، والكفاية، لجلال الدين الخوارزمي: ٦/١٦
(٣) المبسوط: ١٥/٨٤
(٤) بدائع الصنائع: ٥/٣، والمبسوط: ١٥/٨٥
(٥) العناية: للبابرتي: ٦/٢٤٣
(٦) العناية: للبابرتي: ٦/٢٤٣
(٧) فتح القدير، للكمال بن الهمام: ٦/٢٤٤ - ٢٤٥