وقد اختلف أصحاب هذا المذهب في الجواب عن حديث أنس - رضي الله عنه -، والذي يُوهِمُ ظاهره أنَّ الذي دنا فتدلى في الآية هو الجبار رب العزة، وقد ذكروا أجوبة منها:
الأول: أنَّ قوله في حديث أنس: «وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى»، زيادة شاذة؛ لم تُرْوَ عن أنس - رضي الله عنه - إلا من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر (١)، وهي مما تَفَرَّدَ به في روايته لحديث الإسراء. (٢)
وهذا جواب: الخطابي (٣)، وابن حزم (٤)، والبيهقي (٥)، وعبد الحق
(١) هو: شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي، وقيل: الليثي، أبو عبد الله المدني، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجة. قال ابن معين، والنسائي: ليس به بأس. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال ابن عدي: إذا روى عنه ثقة فلا بأس برواياته. وقال الآجري، عن أبي داود: ثقة. وقال النسائي أيضاً: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ. وقال ابن الجارود: ليس به بأس، وليس بالقوي، وكان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه. انظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر (٤/ ٢٩٦). (٢) ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (١٣/ ٤٩٣ - ٤٩٤) أنَّ مجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من الحفاظ - في حديث الإسراء - اثنا عشر أمراً: الأول: أمكنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في السماوات، وقد أفصح بأنه لم يضبط منازلهم. الثاني: كون المعراج قبل البعثة. الثالث: كونه مناماً. الرابع: مخالفته في محل سدرة المنتهى، وأنها فوق السماء السابعة بما لا يعلمه الا الله، والمشهور أنها في السابعة أو السادسة. الخامس: مخالفته في النهرين، وهما النيل والفرات، وأن عنصرهما في السماء الدنيا، والمشهور في غير روايته أنهما في السماء السابعة، وأنهما من تحت سدرة المنتهى. السادس: شق الصدر عند الإسراء. السابع: ذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا، والمشهور في الحديث أنه في الجنة. الثامن: نسبة الدنو والتدلي إلى الله عز وجل، والمشهور في الحديث أنه جبريل. التاسع: تصريحه بأن امتناعه صلى الله عليه وسلم من الرجوع إلى سؤال ربه التخفيف كان عند الخامسة، ومقتضى رواية ثابت عن أنس أنه كان بعد التاسعة. العاشر: قوله: «فعلا به الجبار وهو مكانه». الحادي عشر: رجوعه بعد الخمس، والمشهور في الأحاديث أن موسى عليه الصلاة والسلام أمره بالرجوع بعد أن انتهى التخفيف إلى الخمس فامتنع. الثاني عشر: زيادة ذكر التور في الطست. (٣) أعلام الحديث، للخطابي (٤/ ٢٣٥٣). (٤) نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (١١/ ٤٩٣). (٥) دلائل النبوة، للبيهقي (٢/ ٣٨٥)، والأسماء والصفات (٢/ ٣٥٧).