الذي يَظْهُرُ صَوَابُه - والله تعالى أعلم - أنَّ ما رُويَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من إنشاده لبعض الشِّعْر إنما قاله اتفاقاً، ولم يقصد به نظم الشِّعْر.
وتَمَثُّل النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيتٍ واحدٍ من الشِّعْر لا يلزم منه أنْ يكون عالماً بالشِّعْر، لأنَّ الذي نفى الله عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - هو العلم بالشِّعْر، بأصنافه، وأعاريضه، وقوافيه، والاتصاف بقوله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن موصوفاً بشيء من ذلك باتفاق، فخرج أنْ يكون شاعراً أو عالماً بالشعر. (٣)
وقد كانت سَجيَّتُه - صلى الله عليه وسلم - تأبى صِناعةَ الشِّعْر طبعاً وشرعاً، فعن أبي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُتَسَامَعُ عِنْدَهُ الشِّعْرُ؟ قَالَتْ: كَانَ أَبْغَضَ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ" (٤).
وعن ابن عمر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا" (٥).
وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يحفظ بيتاً على وزن منتظم، وإنْ أنشده زَحَفَهُ أو لم يُتِمَّه،
(١) الزحاف في الشعر: حرفٌ بين حرفين، وهو تغيرٌ يقع في الركن إما بزيادة أو نقص، ويُقال لذلك الركن الذي تغير: مُزاحفاً وغير سالم، والزحف إذا وقع في الصدر سُميَ: ابتداءً، وإذا وقع في العروض سُميَ: فصلاً، وإذا كان في وسط البيت سُميَ: اعتدالاً. انظر: المصدر السابق، ص (٩٠٥). (٢) فتح الباري، لابن حجر (١٠/ ٥٥٧). (٣) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٦١٩ - ٦٢٠). (٤) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٦/ ١٨٨)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ١١٩): "رجاله رجال الصحيح". (٥) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأدب، حديث (٦١٥٤)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الشعر، حديث (٢٢٥٨).