وقال القاضي عياض: ومنهم من ذهب إلى التوسعة والتخيير وليس بشيء؛ وهو قول أحمد، وإسحاق، وابن حبيب، وابن الماجشون من المالكية (١).
وهؤلاء الذين قالوا: ليس على من مرت به جنازة أن يقوم لها، ذهبوا إلى أن الأمر بالقيام منسوخ وتمسكوا في ذلك بأحاديث؛ منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن علي - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الجنازة ثم جلس بعد"(٢).
وعند ابن حبان في صحيحه:"كان يأمر بالقيام في الجنائز ثم جلس بعد ذلك وأمر بالجلوس"(٣)
قال الحازمي: قال أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالرحمن، حدثنا أبو بكر الطبري، حدثنا يحيى بن محمد البصري، حدثنا أبو حذيفة، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي معمر قال:" مرت بنا جنازة فقمت، فقال علي: - رضي الله عنه - من أفتاك هذا؟ قلت: أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -، فقال علي - رضي الله عنه -: ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة، فلما نسخ ذلك ونُهِىَ عنه" انتهى (٤).
ثم إنهم اختلفوا في الأمر المذكور في الحديث؛ فقيل: للوجوب وأن القيام للجنازة إذا مرت واجب، وقيل: للندب والاستحباب، وإليه ذهب ابن حزم (٥).
(١) إكمال المعلم (٣/ ٤٢٢). (٢) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب نسخ القيام للجنازة (٢/ ٦٦٢) (٩٦٢). (٣) صحيح ابن حبان، كتاب الجنائز، فصل في القيام للجنازة، (٧/ ٣٢٦) (٣٠٥٦)، من طريق عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو عن واقد بن عمرو بن سعد، عن نافع بن جبير، عن مسعود بن الحكم عن علي، إسناده حسن. محمد بن عمرو: هو ابن علقمة بن وقاص الليثي قال ابن حجر في "التقريب" (ص: ٤٩٩) (٦١٨٨): وهو صدوق له أوهام، وأخرجه أحمد في مسنده، مسند علي - رضي الله عنه - (٢/ ٥٧) (٦٢٣)، بهذا الإسناد. (٤) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار (١/ ١٢١)، وأخرجه النسائي في سننه الصغرى (٤/ ٤٦) (١٩٢٣)، من طريق سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، إسناده متصل، رجاله ثقات. (٥) المحلى (٣/ ٣٨٠).