(فَأَقْبَرَهُ) أي: في قوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)} [عبس: ٢١] أي: بعد أن خلقه سويًا أماته، أي: قبض روحه فأقبره، أي: جعله ذا قبر يدفن فيه.
وقيل: جعل له من يقبره ويواريه ولا يلقي حتى تأكله السباع والطيور ليكون مكرمًا حيًا وميتًا, ولم يقل:"قَبَرَهُ" لأن فاعل ذلك هو الله تعالى؛ أيْ: صيره مقبورًا فليس كفعل الآدمي, والعرب تقول: طردت فلانًا عني والله أطرده أي: جعله طريدًا. (١)
وهذا جرى على عادته من تفسير بعض ألفاظ القرآن بمناسبة ألفاظ الحديث. وفي رواية أبي ذر:"قول الله عز وجل: "فأقبره"
فقول الله مبتدأ وخبره قوله:(أَقْبَرْتُ الرَّجُلَ) أي هو من قولهم: أقبرت الرجل من باب الأفعال. وزاد أبو ذر: "أقبره" (٢)، (إِذَا جَعَلْتَ لَهُ قَبْرًا، وَقَبَرْتُهُ) من الثلاثي المجرد (دَفَنْتُهُ) أشار بهذا إلى الفرق بين أقبرت وقبرت في المعنى كما مر.
وقوله تعالى:({أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ (كِفَاتًا}[المرسلات: ٢٥]) من كفتّ الشيء أكفته إذا جمعته وضممته قاله الزجاج، أي: ألم نجعل الأرض كافتة، أي: جامعة وضامة أحياء وأمواتًا, ونصب أحياء وأمواتًا بوقوع الكفات عليه (٣).
[١٢٤ ب/س]
وقوله:(يَكُونُونَ فِيهَا أَحْيَاءً، وَيُدْفَنُونَ فِيهَا أَمْوَاتًا) /تفسير لقوله: {كِفَاتًا}، وفي تفسير الطبري: كفاتًا، وعاء. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - كذا، وعن مجاهد: " ألم نجعل الأرض كفاتًا" قال: تكفت أذاهم وما يخرج منهم (٤).
قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ - رحمه الله -:
١٣٨٩ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ هِشَامٍ وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِى زَكَرِيَّاءَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
(١) معاني القران للفراء [سورة عبس] (٣/ ٢٣٧)، وزاد المسير، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - ١٤٠٤ هـ، الطبعة: الثالثة (٩/ ٣١). (٢) إرشاد الساري (٢/ ٤٧٦). (٣) معاني القرآن وإعرابه (٥/ ٢٦٧). (٤) تفسير الطبري (٢٣/ ٥٩٦ - ٥٩٧).