قريش بذي طوى (١) ولم ألِ من هذا الأمر شيئاً، وكان عنده قميص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإزاره ورداؤه، وشيء من شعره، فقال: كَفِّنوني في قميصه، وأدرجوني في ردائه، وأزّروني بإزاره، واحشوا منخري وشدقي بشعره، وخلُّوا بيني وبين أرحم الرّاحمين" (٢).
[عذر أبي سفيان وزوجه هند ـ رضي الله عنهما ـ]
وهناك من يتحامل على أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ ويغري العوامّ بلمزه كونه قَاتَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في بدر وأحد، فما انفكّ أقوام يقولون: رَأَسَ أبو سفيان في قريش بعد بدر، وسار بهم في أُحد، فألحق بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما ألحق من الأذى من جرح وجهه الشَّريف وكسر رَباعيَته وتهشيم البيضة على رأسه، ثمّ ساق الأحزاب يوم الخندق ... وقد أجاب عن ذلك علماؤنا ما حاصله: أنّ ذلك كان قبل إسلامه، وإسلامه جَبَّ ما قبله، قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ... (٣٨)} [الأنفال] فهذه الآية نزلت في أبي سفيان وأصحابه، وهو فيمن أنزل الله فيه: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧)} [الممتحنة].
أمّا الأذى الّذي لحق بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في أُحد فلم يَتَولَّ ذلك أبو سفيان بنفسه، ولم يقل أحد من الثّقات أنّ أبا سفيان باشر ذلك، وإنّما قال ابن الجوزي: " وكان الّذي تولَّى أذاه - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن قَمِئة، وعتبة بن أبي وقّاص، وقيل: إنّ عبد الله بن شهاب الزّهريّ، عمّ محمّد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ، هو الّذي شَجَّهُ " (٣).
وما أصابه - صلى الله عليه وسلم - من الأذى لا يُعارض قول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ... (٦٧)} [المائدة] إذ أنّ العصمة الّتي وُعِدَ بها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عصمةُ النّفس من القتل لا
(١) ذو طوى: هو ما بين الثّنيّة الّتي يهبط منها إلى مقبرة مكّة المسمّاة بالمعلاّة، والثّنيّة الأخرى الّتي إلى جهة الزّاهر، وتسمَّى عند أهل مكّة بين الحجونين. (٢) ابن الجوزي " تلقيح فهوم أهل الأثر" (ص ١١٢). (٣) ابن الجوزي " زاد المعاد " (ج ٣/ص ١٧٦)