فإنْ قالوا: لكنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال:" يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة " فالجواب أنّ هذا حديث منكر لا يصحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والهلكى هم الّذين وضعوا هذا الحديث الهالك، فقد ذكره الألباني في " سلسلة الأحاديث الضّعيفة "، وقال:" منكر "(١). وذكره الهيثمي في " مجمع الزّوائد " وقال: " رواه البزّار، وفيه عمر بن الهجنع ذكر الذّهبي في ترجمته هذا الحديث في منكراته "(٢).
تجنُّب الصَّحابة للقتال
حتّى الّذين شهدوا الفتنة من الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا حريصين على عدم القتال، ويشهد لذلك ما أخرجه أحمد بسند صحيح عن محمّد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت، قال:" ما زال جدّي كافاً سلاحه يوم الجمل حتّى قُتل عمّار بصفّين، فَسَلَّ سيفه، فقاتل حتّى قُتل، قال سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: تقتل عمّاراً الفئة الباغية "(٣) أي أنّه لم يقاتل في الجمل ولا في صفّين حتّى تبيّن له الحقّ فقاتل عن بَيِّنة.
وروى البخاري عن أبي حميلة قال:" قال محمّد بن طلحة لعائشة يا أمّ المؤمنين، يوم الجمل، فقالت: كن كخير ابني آدم؛ فأغمد سيفه بعد ما سلّه، ثمّ قاتل حتّى قُتِل "(٤). أي كُنْ المقتُول ولا تكُن القاتِل، وهذا يدلُّكَ على أنَّ عائشةَ ـ رضي الله عنها ـ كانت تَنْهَى عن القتال ولا تَأْمر به.
حتّى الخليفة عليّ ـ رضي الله عنه ـ كان يتجنّب القتال كيلا يُصِيبَ دماً حراماً ففي "المطالب العالية " بسند صحيح عن سليمان بن صرد، قال: جئت إلى الحسن ـ رضي الله عنه ـ
(١) قال الألباني: مُنْكر " سلسلة الأحاديث الضّعيفة " (م ٢/ص ١٦/رقم ٥٣١). (٢) الهيثمي " مجمع الزّوائد " (ج ٧/ص ٢٣٤). (٣) أحمد " المسند " (ج ١٦/ص ١٢١/رقم ٢١٧٧٠) والحاكم في "المستدرك" (ج ٣/ص ٣٩٧) كتاب معرفة الصّحابة. (٤) البخاري " التّاريخ الأوسط " (ص ٤٦/ رقم ٣٣٧).