والمرادُ من الكلام، الخبرُ عن شهادة من ارتضاهم من خلقه فقدّسوه:(١) من ملائكته وعلماء عباده. فأعلمهم أن ملائكته - التي يعظِّمها العابدون غيره من أهل الشرك ويعبدُها الكثير منهم - وأهلَ العلم منهم، (٢) منكرون ما هم عليه مقيمون من كفرهم وقولهم في عيسى، وقولَ من اتخذ ربًّا غيره من سائر الخلق، (٣) فقال: شهدت الملائكة وأولُو العلم أنه لا إله إلا هو، وأن كل من اتخذ ربًّا دون الله فهو كاذبٌ = احتجاجًا منه لنبيه عليه السلام على الذين حاجُّوه من وفد نجران في عيسى.
* * *
واعترض بذكر الله وصفته، على ما بيَّنتُ، (٤) كما قال جل ثناؤه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)[سورة الأنفال: ٤١] ، افتتاحًا باسمه الكلام، (٥) فكذلك افتتح باسمه والثناء على نفسه الشهادةَ بما وصفناه: من نَفْي الألوهة عن غيره، وتكذيب أهل الشرك به.
* * *
فأما ما قال الذي وصفنا قوله: من أنه عنى بقوله:"شهد"، قضى - فمما لا يعرف في لغة العرب ولا العجم، لأن"الشهادة"، معنًى،"والقضاء" غيرها. (٦)
* * *
(١) في المخطوطة والمطبوعة: "فقدموه" كأنه أراد معنى: "البدء بذكره تعالى"، ولو كان كذلك لكان أجود أن يقول: "فقدموا ذكره"، ولكنى أستظهر من سياق كلامه معنى التنزيه، فلذلك رأيت أنها تصحيف قوله: "فقدسوه". (٢) سياق الكلام: فأعلمهم أن ملائكته. . . وأهل العلم منهم، منكرون. . .". (٣) قوله: "وقول من اتخذ ربًا غيره. . ." بنصب"وقول" عطفًا على قولهم"ما هم عليه مقيمون"، وهو مفعول به لقوله: "منكرون". (٤) في المطبوعة: "على ما نبينه"، وهو خطأ، والصواب من المخطوطة، ولكنه لم يحسن قراءتها. (٥) معنى ذلك: أن ذكر"الله" في آية الأنفال هذه، إنما هي افتتاح كلام، قال أبو جعفر في تفسيرها (١٠: ٣ بولاق) : "قال بعضهم: قوله: "فأن الله خمسه" مفتاح كلام، ولله الدنيا والآخرة وما فيهما. وإنما معنى الكلام: فأن للرسول خمسه". وهذا القول هو الذي رجحه الطبري في تفسير الآية هناك. (٦) هذا رد على مقالة أبي عبيدة في مجاز القرآن، كما سلف في ص: ٢٦٧ تعليق: ٢.