فإن قيل: فكيف مدَحهم على الانتصار والعفو، وهما متنافيان؟
قيل: لم يمدَحْهم على الاستيفاء والانتقام، وإنما مدحهم على الانتصار، وهو القدرة والقوة على استيفاء حقهم، فهذا هو الانتصار، فلما قدروا ندَبهم إلى العفو.
قال بعض السلف في هذه الآية: كانوا يكرهون أن يُستذَلُّوا، فإذا قدروا عفوا (٢). فمدَحهم على عفو بعد قدرة، لا على عفو ذلٍّ وعجز ومهانة. وهذا هو الكمالُ الذي مدَح سبحانه به نفسَه في قوله:{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النساء: ١٤٩]، وقوله:{وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(٣)[الممتحنة: ٧].
وفي أثر معروف: «حملة العرش أربعة: اثنان يقولان: سبحانك اللهمَّ ربَّنا وبحمدك، لك الحمدُ على حِلْمك بعد علمك. واثنان يقولان: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، لك الحمد (٤) على عفوك بعد قدرتك» (٥).
ولهذا قال المسيح صلوات الله وسلامه عليه: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ
(١) في الأصل: «إباحته». وكذا في (ق)، وهو تحريف. (٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١٨٤٨٦) عن إبراهيم النخعي. (٣) قوله: «والله قدير» ساقط من الأصل وكذا من (ق، غ). (٤) «على حلمك ... الحمد» ساقط من الأصل، وكذا من (ط). (٥) ذكره المؤلف في مدارج السالكين (١/ ٣٦)، (٢/ ٣٧٩)، وبدائع الفوائد (١٤٠) وعدة الصابرين (٥٣٣) أيضًا، وكذا قال: «حملة العرش أربعة ... » والرواية: «حملة العرش ثمانية. أربعة يقولون ... وأربعة يقولون ... ». وروي الأثر عن شهر بن حوشب وغيره. انظر تخريجه في كتاب العرش لابن أبي شيبة (٣٦٨).