أنفسهم؛ فلابدَّ أن يكون الشاهدُ ذاكرًا لما شهِد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، لا يذكر شهادةً (١) قبلها.
الخامس: أنه سبحانه أخبر أنَّ حكمةَ هذا الإشهاد إقامةُ الحجَّةِ عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة [١٠٩ أ]: إنا كنا عن هذا غافلين. والحجة إنما (٢) قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فُطِروا عليها، كما قال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥].
السادس: تذكيرُهم بذلك لئلا يقولوا يوم القيامة: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[الأعراف: ١٧٢]. ومعلوم أنهم غافلون (٣) بالإخراج (٤) لهم من صلب آدم كلِّهم، وإشهادِهم جميعًا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم (٥).
السابع: قوله: {أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ}(٦)[الأعراف: ١٧٣]. فذكر حكمتين في هذا التعريف والإشهاد:
(١) (ب، ج): «شهادته». (٢) (ن): «وإنما الحجة». و «الحجة» ساقطة عن (ب، ج). (٣) في الأصل: «غافلين»، ولعله سهو. ولكن في (غ): «كانوا غافلين»، فزاد: كانوا. (٤) كذا في جميع النسخ ما عدا (ن) التي فيها: «فالإخراجُ» مضبوطًا. و «غفل» لا يتعدى بالباء، فقوله: «بالإخراج» قد يكون سهوًا، والصواب: «عن الإخراج»، كما في شرح الطحاوية (٢١٩)، وقد نقل فيه الوجه السادس برمَّته نقلًا حرفيًّا. ولعل الذي في (ن) سعي لإصلاح النص. (٥) (ن): «منهم أحد». (٦) سبق التنبيه على أن «يقولوا» بالياء قراءة أبي عمرو، وبها وردت الآية في النسخ.