أي بُنيَّ إن للموت لكُرْبةً شديدةً، وإنّي بحمد الله لفي برزخ محمود نَفْرِش فيه الرَّيحان ونتوسَّد (١) فيه السُّندسَ والإستبرقَ إلى يوم النشور. فقلت لها: ألكِ حاجة؟ قالت: نعم. قلت: وما هي؟ قالت: لا تَدَعْ ما كنت تصنعُ من زيارتنا والدعاء لنا، فإني لأبشَّرُ (٢) بمجيئك يومَ الجمعة إذا أقبلت من أهلك. يقال لي: يا راهبةُ، هذا ابنُك قد أقبل، فأُسَرُّ ويُسَرُّ بذلك مَن حولي من الأموات (٣).
حدثني محمد، حدثني محمد بن عبد العزيز بن سليمان (٤)، حدثنا بِشرْ بن منصور قال: لما كان زمن الطاعون كان رجلٌ يختلف إلى الجَبَّان، فيشهد (٥) الصلاة على الجنازة، فإذا أمسى وقف على باب المقابر، فقال: آنَسَ الله وَحْشتَكم، ورحم غُربتَكم، وتجاوز عن مسيئكم، وقَبِل حسناتكم. لايزيد على هؤلاء الكلمات. قال (٦): فأمسيت ذات ليلة، وانصرفتُ إلى أهلي، ولم آتِ المقابر، فأدعوَ، كما كنت أدعو. قال: فبينا أنا نائم، إذا (٧)
(١) كذا في (أ، غ). وفي غيرهما: "يُفرش .. ويُتوسَّد" بالبناء للمجهول. وفي شعب البيهقي: "أفرش ... وأتوسَّد". (٢) (ب): "لآنس"، تصحيف. (٣) أخرجه البيهقي من طريق محمد بن الحسين في الشعب (٦/ ٢٠٣). وعزاه ابن رجب في الأهوال (٨٥) إلى ابن أبي الدنيا. وإليه وإلى البيهقي عزاه السيوطي في شرح الصدور (٣٠١). وانظر: صفة الصفوة (٤/ ٤٢). (٤) كذا في جميع النسخ. والأرجح: سَلمان، كما سيأتي في المسألة الثالثة. (٥) (ب، ط، ج): "ويشهد". (٦) "قال" ساقط من الأصل. (٧) (ز): "إذا أنا". وكذا في "شعب" البيهقي.