مشاهدٌ معروف؛ فإن من الناس من يكون مباركًا، فإذا حلَّ بمكان نشأ عنه علمٌ وفضلٌ وموعظةٌ ونصيحة، ومن الناس من يكون ضدَّ ذلك، يكون نقمة، فإذا حلَّ في مكان نشأ من ذلك شرٌ وفرقة واختلاف؛ فلهذا يسأل العبد ربَّه أن يجعله مباركًا أينما كان. قال تعالى عن عيسى ﵇: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾ [مريم: ٣١]، وقال أسيد بن حضير ﵁، في قصة التيمم:(مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ)(١).
قوله:(وَأَنْ يَجْعَلَكَ مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أذَنبَ اسْتَغْفَرَ؛ فَإِنَّ هَؤُلاءِ الثَّلاثُ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ): ما أجمل هذه الثلاث أن ينتظمها دعاءٌ واحد فإنها جماع الخير، أو كما قال الشيخ:(عُنْوَانُ السَّعَادَةِ): والسعادة غايةٌ يطلبها كل حي.
والشكر والصبر عبادتان جليلتان يتعبَّد بهما العبد لله تعالى؛ لأنه لا يخلو حيٌّ في هذه الأرض من ابتلاء، فإمَّا أن يبتلى بالسراء، وإمَّا أن يبتلى بالضراء.
وليس مجرد البلاء علامة نعمة أو شقاء، وإنما ما يكون من جرَّاء ذلك، يقول الله ﷿: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ (١٦)﴾ [الفجر: ١٥ - ١٦]؛ أي: ضيَّق عليه رزقه ﴿فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا (١٧)﴾ [الفجر: ١٦ - ١٧]، و ﴿كَلَّا﴾: في القرآن معناها: ليس الأمر كما تظنون (٢)، فليس
(١) أخرجه البخاري رقم (٣٣٤). (٢) قال الراغب: " كَلَّا: ردع وزجر وإبطال لقول القائل، وذلك نقيض «إي» في الإثبات" المفردات في غريب القرآن (ص: ٧٢٥)، وقال ابن فارس: "كلاَّ: تكون ردّاً ورَدْعاً ونفياً لدعوى مدع إذا قال: "لقيتُ زيداً" قلتَ: "كلاَّ".