للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عطاؤنا دليل كرامة، وليس منعنا دليل مهانة؛ بل دليل الكرامة ودليل المهانة ما يكون من العبد تجاه هذا الابتلاء، فإن كان ممَّن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر، فهو الكريم السعيد، وإن كان ممَّن إذا أعطي استخفَّ وبطر، وإذا مُنِعَ تبرَّم وضجر فهو الشقي النكد.

فينبغي أن نعلم أن التوسعة في الرزق، والصحة في البدن، ونحو ذلك من المحبوبات ليس بالضرورة علامة رضا، ربما كان استدراجًا، كما أن ما يقع على العبد من الضيق في العيش أو البلاء في البدن، أو النفس، أو الأهل، أو غير ذلك، ليس دليلًا على الهوان على الله ﷿؛ كما قد يتراءى لبعض البسطاء والجهلة؛ بل إن الله تعالى يبتلي العباد بالسراء والضراء. ولهذا تعجب النَّبي من شأن المؤمن؛ كما في صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (١).

واعتبروا بحال الناس، هذا سُليمان بن داود قال: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص: ٣٥]، وكان من نعمة الله عليه في موقفٍ من المواقف أن طلب من جلسائه -بما أنعم الله عليه من السخرة- أن يحضروا له عرش ملكة سبأ، ﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل: ٣٩]؛ يعني: في ضحوة. ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠]؛ يعني: ما بين غمضة عين وانتباهتها، ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ﴾ [النمل: ٤٠] لم يستخفه الأشر والبطر، أو ينتفش كما ينتفش بعض


(١) أخرجه مسلم برقم (٢٩٩٩).

<<  <   >  >>