من يفقد الإتزان عند حصول النعم؛ بل قال: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ [النمل: ٤٠]، فأثنى بالخير على معطيه ﴿لِيَبْلُوَنِي﴾ [النمل: ٤٠]: أدرك الحكمة والسر من وراء ذلك ﴿أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل: ٤٠].
فما أحرانا عند النعم أن نستحضر هذا الموقف السُّليماني، فإذا وقع لأحدنا نعمة قال: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾.
قارن هذا بما جرى لقارون، الذي قال الله تعالى عنه: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦]: هذه المفاتيح لا يستطيع أن يحملها العصبة من الرجال فما بالك بالمفتوح؟ ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦]، لكنَّ الرجل شمخ بأنفه وقال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: ٧٨]؛ يعني: أنني حصَّلت هذا المال بحذقي وكياستي وذكائي، فأثنى بالنعمة على نفسه فكان من أمره ما ذكره ربنا: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ﴾ [القصص: ٨١]، أذلَّه الله تعالى فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة.
وانظر في مقام الصبر، يعقوب ﵇ يفقد ابنه نحو عشرين سنة، حتى إنه كما قال الله ﷿: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٨٤]: أدركه ما يدرك الآباء لكنه كان يقول: ﴿إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٨٦]، ثمَّ لم يمنعه ذلك من السعي وفعل السبب: ﴿يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾ [يوسف: ٨٧].
وبهذا نعلم أن المؤمن يبتلى بما يؤلم نفسه لكنَّ ذلك لا يفقده الاعتصام بجناب الله وحسن الظن به، ومن الناس من إذا أصابه شيءٌ من الألم والابتلاء قال: أنا حظي منكود، أنا منحوس، أنا كذا وكذا، وأخذ