هذين هما: ملة إبراهيم (أَنْ تَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]): فنفى الله تعالى في هذه الآية أيَّ علةٍ لخلق الإنس والجن إلا علَّةً واحدة وحكمةً واحدة وهي عبادته. وقد فسَّر ابن عباس ﵄ قوله: ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾: أي يوحِّدون، فالعبادة لا تكون عبادةً إلا أن تكون خالصةً لله ﷿.
قوله:(فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ خَلَقَكَ لِعِبَادَتِهِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ لا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلا مَعَ التَّوْحِيدِ)؛ أي: أن التوحيد هو شرطها الأساس، (كَمَا أَنَّ الصَّلاةَ لا تُسَمَّى صَلاةً إِلا مَعَ الطَّهَارَةِ): الطهارة شرطٌ في صحة الصلاة، ولو قام إنسانٌ يصلي على غير طهارة متلبِّسًا بالحدث الأصغر أو الأكبر فإنه وإن قام وقعد وركع وسجد، إلا أن هذه الحركات لا تسمى صلاةً شرعية؛ لافتقارها إلى شرطها.
والشرط عند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم. فإذا عُدِم الشرط عُدِم المشروط، فلا صلاة شرعية بلا طهارة، (ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم): فربما تطهَّر الإنسان ولم يقع المشروط.
فمنزلة التوحيد بالنسبة للعبادة كمنزلة الطهارة بالنسبة للصلاة، ويقابل الحدث الذي هو الناقض للطهارةالشرك الناقض للتوحيد.
قوله:(فَإِذَا دَخَلَ الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ فَسَدَتْ، كَالْحَدَثِ إِذَا دَخَلَ فِي الطَّهَاَرِة): فالشرك حدث وأيُّ حدث! هو أعظم حدث، فإذا وقع الشرك في العبادة أفسدها، فلو أن إنسانًا أقام صلاةً يتزين بها إلى الناس لكانت من أصلها باطلة؛ لافتقارها إلى الشرط الأعظم وهو: الإخلاص لله ﷿.
فكما أنه لو أحدث في صلاته لفسدت، أو دخل الصلاة محدثًا لما آنعقدت، فكذلك العبادة لا تكون مقبولةً إلا بشرط الإخلاص.