للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التغليظ إلى الوجه المبني عليه وسواء أثبت الخلاف أم لا؟! فالصحيح ما قاله المصنف، وقد نص الشافعي على ذلك.

وقال أبو حنيفة: "لا ينفك شيء حتى يؤدي دينيهما جميعًا"، ومن العجب أنه لا يجوز رهن المشاع وجوَّز هذا، وفي الحقيقة ما هو مرهون عند كلٍّ منهما، فاحتاج لأجل ذلك أن يقول: لا ينفك حتى يبرأ منهما، كأنه يجعلهما بمثابة الرجل الواحد لما عقد معهما بصيغة واحدة، وأما المسألة الأولى، فلا خلاف عندنا فيها، وإنه إذا برئ أحدهما مما عليه انفك نصيبه، ووافق أبو حنيفة على صحة الرهن فيها (١)، والعجب فيها أكثر، لأن كل واحد إنما له النصف مشاعًا، وهو الذي يرهنه، ثم مشى على ما احتاج إليه في الخلاص عن هذا الإشكال، فقال فيما حكاه الصيدلاني وغيره: "إنه لا ينفك حتى يبرأ كل منهما عمَّا له عليهما" (٢)، فجعلهما كالرجل الواحد أيضًا.

وحاصله: أن تعدد الراهن والمرتهن عنده لا أثر له، ولعله يقول: أما تعدد الراهن، فليس فيه أكثر من أن كل واحد رهن ملكه على ما عليه وعلى غيره من الدين، وقد عهدنا جواز رهن ملك شخص على دين آخر بالعارية، فقدر أن كل واحدٍ معير وراهن عن نفسه، وتعدد الدين لا يقدح كما في الدين الواحد يكون الرهن بكل جزء منه، فلا استحالة في جعل كل نصف رهنًا بالدينين جميعًا، وأما تعدد المرتهن، فإذا أمكن أن تكون العين الواحدة رهنًا بدينين لشخص واحد، فما المانع من كونها رهنًا بدينين لشخصين إذا قضى أحدهما بقى الآخر متعلقًا بجميعها، واللفظ محتمل إذا قال الواحد: رهنت منكما أو قال: الاثنان رهنًا منك لما قلناه بخلاف، ما


(١) انظر: بحر المذهب (٥/ ٣١٢).
(٢) انظر: فتح العزيز (٤/ ٥٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>