بلاد الرُّوم، فوقفتُ على راهب فناديته: هل عندك خَبَرُ مَن قد مضى؟ قال: نعم، فريقٌ في الجنَّة، وفريق في السَّعير [، وذكرها ابن خَميس في "المناقب"(١)].
وقال: استراح من أسقط عن قلبه محبَّة الدُّنيا، ومتى خلا منها سكنه التوكُّل.
[وحكى عنه في "المناقب"] (٢) قال: مَن رُزق ثلاثة أشياء نجا من الآفات؛ بطنٌ جائع مع قلبٍ قانع، وفقر دائم مع زهد حاضر، وصبر كامل مع ذكر دائم.
وسئل عن الأُنس فقال: ضِيق الصَّدر من مُعاشرة الخَلْق.
وقال: إنِّي لأستحيي من الله أن أَدخل الباديةَ وأنا شبعان وقد اعتقدتُ التَّوكُّل.
وقال الجنيد: خرج مرَّة من البادية، فقدَّمت إليه طعامًا كثيرًا فأكل الجميع، فعجبتُ منه فقال: لا تعجب؛ فإنِّي أكلتُ أكلةً بمكَّة وهذه الثانية.
وسمع رجلًا يلوم إنسانًا على إظهار وَجْدِه، وغلبةِ الحال عليه في مجلس بعض الأضداد، فقال أبو حمزة: يا أخي، الوَجْدُ الغالب يُسقط التَّمييز، ويجعلُ الأماكن كلَّها مكانًا واحدًا، والأعيانَ عينًا واحدة، فلا لَوْمَ على مَن اضطرَّه وجْدُه إلى ذلك، وما أحسن قولَ القائل:[من الكامل]
فدَعِ المحبَّ من الملامةِ إنَّها … بئسَ الدَّواءُ لمُوْجَعِ مِقْلاقِ
وخرج طائفة من مكَّة من المشايخ يستقبلونه، وقيل: إنَّما خرجوا من بغداد يستقبلونه عند قدومه من مكَّة، فإذا به قد شَحَب لونُه، فقال له الجريريُّ: يا سيِّدي، هل تتغيَّر الأسرار بتغيُّر الصِّفات؟ قال: معاذ الله أن تتغيَّر بتغيُّر الصِّفات، لو تغيَّرت لهلك العالم، ولكنَّه ساكنَ الأسرارَ فحملها، وأعرض عن الصِّفات فلاشاها (٤)، ثمَّ أنشد:
(١) "مناقب الأبرار"١/ ٤٩٢. (٢) ما بين معكوفات من (ب)، وانظر "مناقب الأبرار" ١/ ٤٩٢، و"تاريخ بغداد"٢/ ٢٧٥ فما بعدها، و"تاريخ الإسلام" ٦/ ٣٩١. (٣) البيتان لابن الرومي وهما في "ديوانه" ٤/ ١٦٦٣. ورواية الشطر الأول في (خ) و (ت): فدع الملامة للمحب فإنها، والمثبت من (ب)، وهو الموافق لما في المناقب. (٤) في النسخ: فلا شاهد، والمثبت من "تاريخ بغداد" ٢/ ٢٧٧، و"تاريخ دمشق" ٦٠/ ٣٧٤.