١٠٢] ، والثالث: ما يذهب إليه الأغتام «١» ، وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوّته يغيّر الصّور والطّبائع، فيجعل الإنسان حمارا، ولا حقيقة لذلك عند المحصّلين. وقد تصوّر من السّحر تارة حسنه، فقيل:«إنّ من البيان لسحرا»«٢» ، وتارة دقّة فعله حتى قالت الأطباء: الطّبيعية ساحرة، وسمّوا الغذاء سِحْراً من حيث إنه يدقّ ويلطف تأثيره، قال تعالى: بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ
[الحجر/ ١٥] ، أي: مصروفون عن معرفتنا بالسّحر. وعلى ذلك قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ
[الشعراء/ ١٥٣] ، قيل: ممّن جعل له سحر تنبيها أنه محتاج إلى الغذاء، كقوله تعالى: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الفرقان/ ٧] ، ونبّه أنه بشر كما قال: ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [الشعراء/ ١٥٤] ، وقيل: معناه ممّن جعل له سحر يتوصّل بلطفه ودقّته إلى ما يأتي به ويدّعيه، وعلى الوجهين حمل قوله تعالى: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً [الإسراء/ ٤٧] ، وقال تعالى: فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً [الإسراء/ ١٠١] ، وعلى المعنى الثاني دلّ قوله تعالى:
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [سبأ/ ٤٣] ، قال تعالى: وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف/ ١١٦] ، وقال: أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ
(١) الغتمة: عجمة في المنطق، ورجل أغتم: لا يفصح شيئا، وقيل للثقيل الروح: غتمي. (٢) الحديث عن عبد الله بن عمر أنه قال: قدم رجلان من المشرق، فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ من البيان لسحرا، أو إنّ بعض البيان لسحر» . أخرجه مالك في باب ما يكره من الكلام، شرح الزرقاني ٤/ ٤٠٣، والبخاري في الطب ١٠/ ٢٣٧. (٣) قال السمين: وهو مردود بمنعه من الصرف. عمدة الحفاظ: سحق.