في مجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم وذلك أَنَّهُمْ كانوا يتنافسون في القُرْبِ منه وسَمَاعِ/ كلامه والنظر إليه، فيأتي الرجلُ الذي له الحَقُّ والسِّنُّ والقَدَمُ في الإسلام، فلا يجد مكاناً، فنزلت بسبب ذلك، وروى أبو هريرة أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:«لاَ يَقُمْ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسَ فِيهِ الرَّجُلُ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ»«١» . قال جمهور العلماء: سببُ نزولِ الآية مجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم الحكم مُطَّرِدٌ في سائر المجالس التي هي للطاعات ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أَحَبُّكُمْ إلَى اللَّهِ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ في الصَّلاَةِ، وَرُكَباً في المَجَالِسِ»«٢» ، وهذا قول مالك رحمه اللَّه، وقال: ما أرى الحكم إلاَّ يَطَّرِدُ في مجالس العلم ونحوها غَابِرَ الدهر قال ع «٣» : فالسنة المندوبُ إليها هي التفسُّحُ، والقيامُ منهيّ عنه في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيثُ نهى أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ فَيَجْلِسَ الآخَرُ مَكَانَهُ «٤» .
ت: وقد روى أبو دَاوُدَ في «سننه» عن سَعِيدِ بْنِ أبي الحَسَنِ قال: «جَاءَنَا أَبُو بَكْرَةَ في شَهَادَةٍ، فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ، وقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَنَهَى أَنْ يَمْسَحَ الرَّجُلُ يَدَهُ بِثَوْبِ مَنْ لَمْ يَكْسُهُ»«٥» وروى أبو داودَ عن ابن عمر قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَذَهَبَ لِيَجْلِسَ فيه، فنهاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» «٦» انتهى، قال ع «٧» : فَأَمَّا القيام إجلالاً فجائز بالحديث، وهو قوله ع حين أقبل سعد بن معاذ:«قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ»«٨» . وواجب على المُعَظَّمِ أَلاَّ يُحِبَّ ذَلِكَ ويأخذ الناس به لقوله ع:«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَاماً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»«٩» .
ت: وفي الاحتجاج بقضية/ سعد نظر لأَنَّها احْتَفَّتْ بِها قرائن سوّغت ذلك
(١) تقدم تخريجه. (٢) أخرجه أبو داود (١/ ٢٣٦) ، كتاب «الصلاة» باب: تسوية الصفوف، حديث (٦٧٢) . [.....] (٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٧٩) . (٤) تقدم تخريجه. (٥) تقدم. (٦) أخرجه أبو داود (٢/ ٦٧٤) ، كتاب «الأدب» باب: في الرجل يقوم للرجل من مجلسه (٤٨٢٧) . (٧) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٩٠) . (٨) أخرجه البخاري (٧/ ٤٧٥) ، كتاب «المغازي» باب: مرجع النبي صلّى الله عليه وسلّم من الأحزاب (٤١٢١) ، ومسلم (٣/ ١٣٨٨) ، كتاب «الجهاد والسير» باب: جواز قتال من نقض العهد (٦٤/ ١١٧٦٨) ، وأحمد (٣/ ٢٢، ٧١) ، والبيهقي (٩/ ٩٧) ، كتاب «السير» باب: نزول أهل الحصن أو بعضهم على حكم الإمام أو غير الإمام، إذا كان المنزول على حكمه مأمونا. (٩) تقدم.