قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ﴾ [٦] قال: هو الشرك الخفي، لأن المنافقين كانوا يحسنون الصلاة في المساجد، فإذا غابوا عن أعين المسلمين تكاسلوا عنها، ألا ترى كيف أثبتهم أولا مصلين، ثم أوعدهم بالوعيد. واعلموا أن الشرك شركان: شرك في ذات الله ﷿، وشرك في معاملته، فالشرك في ذاته غير مغفور، وأما الشرك في معاملته قال: نحو أن يحج ويصلي ويعلم الناس، فيثنون عليه، هذا هو الشرك الخفي. وفي الخبر: أخلصوا أعمالكم لله فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما خلص، ولا تقولوا هذا لله، وللرحم إذا وصلتموه فإنه للرحم، وليس منه شيء (١). وقد قال النبي ﷺ لمعاذ حين قال له: أوصني يا رسول الله، قال:«أخلص لله يكفيك القليل من العمل»(٢).
قوله تعالى: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ﴾ [٧] قال: الماعون متاع البيت. وقيل: هو الزكاة، وهو المال بلغة الحبش، والله ﷾ أعلم.
[السورة التي يذكر فيها الكوثر]
﴿قوله تعالى: ﴿إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ﴾ [١] قال: لما مات القاسم بمكة وإبراهيم بالمدينة قالت قريش: أصبح محمد ﷺ أبتر، فغاظه ذلك، فنزلت: ﴿إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ﴾ [١] نعزيه ونعوضه الكوثر، وهو الحوض، تسقي من شئت بإذني، وتمنع من شئت بإذني. ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَاِنْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [٢ - ٣] عن خير الدارين أجمع.
والله ﷾ أعلم.
[السورة التي يذكر فيها الكافرون]
قوله تعالى: ﴿قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ﴾ [١] قال: إنّما ذكر: ﴿قُلْ﴾ [١] جوابا عن سؤال الكفار إياه: «اعبد إلهنا شهرا فنعبد إلهك سنة». فأنزل الله تعالى هذه السورة عند قولهم ذلك، ﴿يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ﴾ [١] قالوا: ما لك يا محمد. قال: ﴿لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ [٢] اليوم.
﴿وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ﴾ [٣] اليوم. ﴿وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ﴾ [٤] في المستقبل. ﴿وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ﴾ [٥] في المستقبل. ﴿لَكُمْ﴾ [٦] اختياركم ل ﴿دِينُكُمْ وَلِيَ﴾ [٦] اختياري ل ﴿دِينِ﴾ [٦]، ثم نسختها آية السيف (٣)، والله ﷾ أعلم.
(١) شعب الإيمان ٥/ ٣٣٦؛ والترغيب والترهيب ١/ ٢٣؛ والفردوس بمأثور الخطاب ٥/ ٢٧١؛ وفيض القدير ١/ ٢١٧؛ وجامع العلوم والحكم ص ١٦؛ ومجمع الزوائد ١٠/ ٢٢١. (٢) نوادر الأصول ١/ ٩١؛ وشعب الإيمان ٥/ ٣٤٢ - ٣٤٣؛ والفردوس بمأثور الخطاب ١/ ٤٣٥. (٣) آية السيف هي الآية الخامسة من سورة التوبة. وهذه الآية قال فيها الضحاك بن مزاحم: (إنها نسخت كل عهد بين النبي ﷺ وبين أحد من المشركين، وكل عقد، وكل مدة). تفسير ابن كثير ٢/ ٣٥٠.