قال: فقعد يبكي من الفرح إلى الصباح وقال: إلهي مثلي يترك بلا عشاء بلا سراج، بأي يد كانت مني يا مولاي (١).
﴿قوله تعالى: ﴿يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ [٢٧] قال: هذا خطاب لنفس الروح الذي به حياة نفس الطبع والمطمئنة المصدقة بثواب الله وعقابه.
﴿اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ﴾ [٢٨] بطريق الآخرة ﴿راضِيَةً﴾ [٢٨] عن الله بالله ﴿مَرْضِيَّةً﴾ [٢٨] عنها لسكونها إلى الله ﷿.
﴿فَادْخُلِي فِي عِبادِي﴾ [٢٩] أي في جملة أوليائي الذين هم عبادي حقا ﴿وَاُدْخُلِي جَنَّتِي﴾ [٣٠] قال سهل: الجنة جنتان: أحدهما الجنة نفسها، والأخرى حياة بحياة وبقاء ببقاء.
كما روي في الخبر: يقول الملائكة للمنفردين يوم القيامة: امضوا إلى منازلكم في الجنة، فيقولون: ما الجنة عندنا، وإنما انفردنا لمعنى منه إلينا، لا نريد سواه حياة طيبة.
والله ﷾ أعلم.
[السورة التي يذكر فيها البلد]
قوله تعالى: ﴿لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ﴾ [١] قال: يعني مكة. ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ﴾ [٢] يعني يوم فتح مكة جعلناها لك حلالا تقتل فيها من شئت من الكفار كما قال النبي ﷺ: «إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار» (٢)، فأقسم الله تعالى بمكة لحلول نبيه فيها إعزازا له وإذلالا لأعدائه.
﴿وَوالِدٍ وَما وَلَدَ﴾ [٣] قال: الوالد: آدم، وما ولد: محمد ﷺ. ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ﴾ [٤] أي في مشقة وشدة. قال: الكبد الانتصاب، أي لقد خلقناه في بطن أنه منتصبا. كما قال مجاهد: إن الولد يكون في بطن أمه منتصبا كانتصاب الأم، وملك موكل به، إذا أضجعت الأم رفع رأسه، ولولا ذلك لغرق في الدم.
قوله تعالى: ﴿وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [١٠] قال: بيّنّا له طريق الخير ليتبعه، وطريق الشر ليجتنبه، كما قال: ﴿إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً﴾ [الإنسان: ٣]. وقيل: يعني التدبير.
قوله تعالى: ﴿فَلا اِقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ [١١] قال: أي فهلا جاوز الصراط والعقبة دونها، وفي الباطن عقبتان، إحداهما: الذنوب التي اجترحها، يعني بين يديه كالجبل يجاوزها بعتق رقبة، أو إطعام في يوم ذي مجاعة وشدة مسكينا قد لزق بالتراب من الجهد والفاقة، ويتيما بينه
(١) شعب الإيمان ٧/ ٢٣٠.
(٢) صحيح البخاري: كتاب الجنائز، رقم ١٢٨٤.