رئيس البحريّين، فلم يقبل منه، فلمّا حصل في ذلك المرسي هبّت ريحٌ جعلت تقذِف مراكبَ المسلمين مركبًا مركبًا إلى الرّيف، والرّومُ لا شُغْل لهم إلّا الأسر والقتْل. فكلّما ملكوا مركبًا بكى مجاهد بأعلى صوته ولا يقدر على شيء لارتجاج البحر، وأبو خَرُّوب ينشد.
بكى دَوْبَلٌ لا أرقأَ اللهُ دمعَه ... ألا إنّما يبكي من الذّلّ دوبلُ
ويقول: قد كنت حذرته من الدخول هنا فأبى. ثمّ تخلّصنا في يسير من المراكب.
قال الحُمَيْديّ: ثمّ عاد مجاهد إلى الأندلس، فاختلفت به الأحوال حتّى تملّك دانية وما يليها واستقرَّ بها. وكان من الأجواد العلماء، باذلًا للمال في استمالة الأُدباء، فبذل لأبي غالب تمّام بن غالب اللّغَويّ ألف دينار على أن يزيد في ترجمة الكتاب الّذي ألّفه في اللّغة ما ألفة لأبي جيش مجاهد، فامتنع أبو غالب وقال: ما ألّفته له.
وفيه يقول صاعد بن الحسن اللُّغَويّ، وقد استماله على البُعْد بمالٍ، قصيدته:
أتتني الخريطةُ والمركبُ ... كما اقترنَ السَّعدُ والكوكبُ
وحُطَ بمينائه قِلعُهُ ... كما وضَعت حملها المُقربُ
على ساعةٍ قام فيها الثّناءُ ... على هامة المشتري يخطبُ
مجاهدُ رُضْتَ إِباءَ الشَّمُو ... س فاصْحَبْ ما لم يكُن يصحبُ
فقلْ واحتكمْ فسميعُ الزّما ... نِ مصيخٌ إليك بما ترغبُ
وقد ألف مجاهدًا كتابًا في العَرُوض يدلّ على فضائله. وقد وزر له أبو العبّاس أحمد رشيق.
تُوُفّي بدانية سنة ست وثلاثين.
١٧٩- حمد بن أحمد بن بكير التنوخيّ١.
الخياط، إمام مسجد أبي صالح الّذي بظاهر باب شرقيّ.
١ تاريخ دمشق "٣٦/ ٢٧٤".