رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ الْآيَاتُ الْمُحْكَمَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي سُورَةِ" آل عمران «١» " أَجْمَعَتْ عَلَيْهَا شَرَائِعُ الْخَلْقِ، وَلَمْ تُنْسَخْ قَطُّ فِي مِلَّةٍ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا الْعَشْرُ كَلِمَاتٍ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى مُوسَى. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) الْإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ بِرُّهُمَا وَحِفْظُهُمَا وَصِيَانَتُهُمَا وَامْتِثَالُ أَمْرِهِمَا وَإِزَالَةُ الرِّقِّ عَنْهُمَا وَتَرْكُ السَّلْطَنَةِ عَلَيْهِمَا. وَ" إِحْساناً" نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَنَاصِبُهُ فِعْلٌ مُضْمَرٌ مِنْ لَفْظِهِ، تَقْدِيرُهُ وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) الْإِمْلَاقُ الْفَقْرُ: أَيْ لَا تَئِدُوا- مِنَ الْمَوْءُودَةِ «٢» - بَنَاتِكُمْ خَشْيَةَ الْعَيْلَةِ، فَإِنِّي رَازِقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ. وَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْإِنَاثِ وَالذُّكُورِ خَشْيَةَ الْفَقْرِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ. أَمْلَقَ أَيِ افْتَقَرَ. وَأَمْلَقَهُ أَيْ أَفْقَرَهُ، فَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ. وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنْ مُؤَرِّجٍ أَنَّهُ قَالَ: الْإِمْلَاقُ الْجُوعُ بِلُغَةِ لَخْمٍ. وَذَكَرَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ الْإِمْلَاقَ الْإِنْفَاقُ، يُقَالُ: أَمْلَقَ مَالَهُ بِمَعْنَى أَنْفَقَهُ. وَذُكِرَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «٣» قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْلِقِي مِنْ مَالِكِ مَا شِئْتِ. وَرَجُلٌ مَلِقٌ يُعْطِي بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ. فَالْمَلَقُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَأْتِي «٤» بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ. السَّادِسَةُ- وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا مَنْ يَمْنَعُ الْعَزْلَ، لِأَنَّ الْوَأْدَ يَرْفَعُ الْمَوْجُودَ وَالنَّسْلَ، وَالْعَزْلُ مَنْعُ أَصْلِ النَّسْلِ فَتَشَابَهَا، إِلَّا أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ أَعْظَمُ وِزْرًا وَأَقْبَحُ فِعْلًا، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْعَزْلِ: (ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ) الْكَرَاهَةُ لَا التَّحْرِيمُ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ بِإِبَاحَتِهِ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِي أَلَّا تَفْعَلُوا. وَقَدْ فَهِمَ مِنْهُ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى النَّهْيَ وَالزَّجْرَ عَنِ الْعَزْلِ. وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أولى، لقوله عليه السلام: (إذا أراد الله خلق شي لم يمنعه شي). قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا «٥» بِإِذْنِهَا. وَكَأَنَّهُمْ رَأَوُا الْإِنْزَالَ مِنْ تمام لذاتها، وَمِنْ حَقِّهَا فِي الْوَلَدِ، وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، إِذْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا، إِذْ لَا حَقَّ لها في شي مما ذكر.
(١). كذا في ز وك وى وفي ب الأنعام.(٢). في ك: من الوأد. [ ..... ](٣). من ع.(٤). من ك.(٥). في ك: ولا بإذنها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute