قُلْتُ: بِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ الْعُشْرَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ:" وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ" وَالْمَذْكُورُ قَبْلَهُ الزَّيْتُونُ وَالرُّمَّانُ، وَالْمَذْكُورُ عَقِيبَ. جملة ينصرف إلى الأخير بلا خلاف، قال إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا لُقِّحَتْ رُمَّانَةٌ قَطُّ إِلَّا بِقَطْرَةٍ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَكَلْتُمُ الرُّمَّانَةَ فَكُلُوهَا بِشَحْمِهَا فَإِنَّهُ دِبَاغُ الْمَعِدَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تَكْسِرُوا الرُّمَّانَةَ مِنْ رَأْسِهَا فَإِنَّ فِيهَا دُودَةً يَعْتَرِي مِنْهَا الْجُذَامُ. وَسَيَأْتِي مَنَافِعُ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فِي سُورَةِ" الْمُؤْمِنُونَ «١» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الزَّيْتُونِ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ: يُخْرَصُ «٢» زَيْتُونًا وَيُؤْخَذُ زَيْتًا صَافِيًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُخْرَصُ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ كَيْلُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ حَبِّهِ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَوْمَ حَصادِهِ" قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ" حَصَادَهُ" بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَمِثْلُهُ الصِّرَامُ وَالصَّرَامُ وَالْجَذَاذُ وَالْجِذَاذُ وَالْقَطَافُ وَالْقِطَافُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ على ثلاثة أقوال: الأولى: أنه وقت الجذاذ، قال محمد بن مسلمة، لقول تَعَالَى:" يَوْمَ حَصادِهِ". الثَّانِي: يَوْمُ الطِّيبِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ الطِّيبِ يَكُونُ عَلَفًا لَا قُوتًا وَلَا طَعَامًا، فَإِذَا طَابَ وَحَانَ «٣» الْأَكْلُ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ وَجَبَ الْحَقُّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، إِذْ بِتَمَامِ النِّعْمَةِ يَجِبُ شُكْرُ النعمة، ويكون الإيتاء الْحَصَادِ لِمَا قَدْ وَجَبَ يَوْمَ الطِّيبِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْخَرْصِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْوَاجِبُ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ شَرْطًا لِوُجُوبِهَا. أَصْلُهُ مَجِيءُ السَّاعِي فِي الْغَنَمِ، وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِنَصِّ التَّنْزِيلِ. وَالْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ الثَّانِي، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَفَائِدَةُ الخلاف إذا مات بعد الطيب
(١). راجع ج ١٢ ص ١١٤.(٢). ستأتي معاني الخرص في المسألة التاسعة.(٣). في ك وز وى: وكان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute