وَلَمَّا كَانَتِ الْجِنُّ مِمَّنْ يُخَاطَبُ وَيَعْقِلُ قَالَ:"نْكُمْ
" وَإِنْ كَانَتِ الرُّسُلُ مِنَ الْإِنْسِ وَغَلَبَ الْإِنْسُ فِي الْخِطَابِ كَمَا يُغَلَّبُ الْمُذَكَّرُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رُسُلُ الْجِنِّ هُمُ الَّذِينَ بَلَّغُوا قَوْمَهُمْ مَا سَمِعُوهُ مِنَ الْوَحْيِ، كَمَا قَالَ:" وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ «١» ". وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: أَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلًا مِنَ الْجِنِّ كَمَا أَرْسَلَ مِنَ الْإِنْسِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرُّسُلُ مِنَ الْإِنْسِ، وَالنُّذُرُ مِنَ الْجِنِّ، ثُمَّ قَرَأَ" إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ «٢» ". وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الْأَحْقَافِ «٣» ". وَقَالَ الْكَلْبِيُّ «٤»: كَانَتِ الرُّسُلُ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبْعَثُونَ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا. قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ، بَلْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ) الْحَدِيثَ. عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الْأَحْقَافِ «٥» ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الرُّسُلُ تُبْعَثُ إِلَى الْإِنْسِ وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، ذكره أبو الليث السمر قندي. وَقِيلَ: كَانَ قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ: اسْتَمَعُوا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ عَادُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَأَخْبَرُوهُمْ، كَالْحَالِ مَعَ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَيُقَالُ لَهُمْ رُسُلُ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى إِرْسَالِهِمْ. وَفِي التَّنْزِيلِ:" يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ «٦» " أَيْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ الْمِلْحِ دُونَ الْعَذْبِ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ مِنَ الْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ، فَمَعْنَى"نْكُمْ
" أَيْ مِنْ أَحَدِكُمْ. وَكَانَ هَذَا جَائِزًا، لِأَنَّ ذِكْرَهُمَا سَبَقَ. وَقِيلَ: إِنَّمَا صَيَّرَ الرُّسُلَ فِي مَخْرَجِ اللَّفْظِ مِنَ الْجَمِيعِ لِأَنَّ الثَّقَلَيْنِ قَدْ ضَمَّتْهُمَا عَرْصَةُ الْقِيَامَةِ، وَالْحِسَابُ عَلَيْهِمْ دُونَ الْخَلْقِ، فَلَمَّا صَارُوا فِي تِلْكَ الْعَرْصَةِ فِي حِسَابٍ وَاحِدٍ فِي شَأْنِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ خُوطِبُوا يَوْمَئِذٍ بِمُخَاطَبَةٍ وَاحِدَةٍ كَأَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ بَدْءَ خَلْقِهِمْ لِلْعُبُودِيَّةِ، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى الْعُبُودِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْجِنَّ أَصْلُهُمْ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَأَصْلُنَا مِنْ تُرَابٍ، وَخَلْقُهُمْ غَيْرُ خَلْقِنَا، فَمِنْهُمْ مُؤْمِنٌ وكافر.
(١). راجع ج ١٦ ص ٢١٠.(٢). راجع ج ١٦ ص ٢١٠.(٣). راجع ج ١٦ ص ٢١٠.(٤). في ك: قال مقاتل: وهو معنى إلخ.(٥). راجع ج ١٦ ص ٢١٠.(٦). راجع ج ١٧ ص ١٦١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute