فطلبَ الرسولُ ﷺ من أصحابِه ﵃ أن يبايعوه على الموت - أو على ألا يفروا - على اختلاف الروايات في ذلك، فبعضهم يقول:«بايعنا رسولَ الله ﷺ على الموت»(١)، أي: على القتال حتى الموت، وبعضهم يقول:«بايعناه على ألَّا نَفِرَّ»(٢)، فبايعه الصحابةُ ﵃، وتنافسوا في هذه البيعة، حتى إنَّ منهم من يُبَايِع ويخرج ليُبَايِعَ مرةً أخرى، وهذه البيعة هي «بيعة الرضوان» التي أشار الله ﷿ إليها بقولِهِ: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (١٨)﴾ [الفتح]، فبايع الصحابةُ رسولَ الله ﷺ، وكان عثمانُ غائباً، فلما جاءت نَوْبَةُ عثمان ﵁ قال النبيُّ ﷺ:«وهذه لعثمان»(٣)، ثم وضع يده الشريفة ﷺ على الأخرى، وهذه والله فضيلة لعثمان وأيُّ فضيلة، أَنْ بايعَ الرَّسُولُ ﷺ عنه بيدِهِ الكَرِيمَة.
(١) «المبايعة على الموت»: جاءت من حديث سلمة بن الأكوع ﵁، أخرجه البخاري (٢٨٠٠)، ومسلمٌ (١٨٦٠)، ومن حديث عبد الله بن زيد ﵁ أيضاً، أخرجه البخاري (٢٧٩٩)، ومسلمٌ (١٨٦١). (٢) «المبايعة على عدم الفرار لا على الموت»: جاءت من حديث جابر بن عبد الله ﵄، أخرجه مسلمٌ (١٨٥٦)، ومن حديث معقل بن يسار ﵁ أيضاً، أخرجه مسلمٌ (١٨٥٨). قال النووي في «شرح مسلم» (١٣/ ٣) بعدما ذكر اختلاف الروايات: (وفي رواية عن ابن عمر في غير «صحيح مسلم» البيعة على الصبر، قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني كلها، وتبين مقصود كل الروايات، فالبيعةُ على أن لا نَفِرَّ معناه: الصبر حتى نظفر بعدونا، أو نقتل، وهو معنى البيعة على الموت، أي: نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت، لا أن الموت مقصودٌ في نفسه). وينظر أيضاً كلام الحافظ ابن حجر في: «فتح الباري» (٦/ ١١٧ - ١١٨). (٣) أخرجه البخاري (٣٤٩٥).